رأيت الناس ما حشا قريشًا ... فإنا نحن أكثرهم فعالا وحفظوا النصب به دون أن تلحقها "ما" نحو ما رواه أبو زيد قال: "سمعت أعرابيًا يقول: اللهم اغفر لي ولمن سمع حاشا الشيطان وابن الأصبغ" بنصب ما بعد حاشا والمعطوف عليه، كما حفظوا الذي حفظه سيبويه من الجر بها، وإذن يكون حال "حاشا" مثل حال "عدا، وخلا" كل واحد من هذه الثلاثة يكون حرفًا تارة، ويكون فعلًا تارة أخرى، وهذا مذهب أبي العباس المُبَرِّد، وهو الذي تؤيِّده جملة الشواهد الواردة في هذه المسألة، وقد تفطن لذلك موفق الدين ابن يعيش، فقال: "أما حاشا فهو حرف جر عند سيبويه، يجر ما بعده، وهو مع ما بعده في موضع نصب بما قبله، وفيه معنى الاستثناء، وزعم الفَرَّاء أن حاشى فعل ولا فاعل له، وأن الأصل في قولك "حاشى زيدًا" حاشا لزيد، فحذفت اللام لكثرة الاستعمال وخفضوا بها، وهذا فاسد؛ لأن الفعل لا يخلو من فاعل، وذهب أبو العباس المُبَرِّد إلى أنها تكون حرف جر كما ذكر سيبويه، وتكون فعلًا ينصب ما بعده، واحتج لذلك بأشياء، منها أنه يتصرف فتقول: حاشيت أحاشي، والتصرف من خصائص الأفعال، ومنها أنه يدخل على لام الجر، فتقول: حاشى لزيد، قال الله تعالى: {حَاشَ لِلَّهِ} ولو كان حرف جر لم يدخل على مثله، ومنها أنه يدخله الحذف، نحو حاش لزيد، وقد قرأت القراء إلا أبا عمرو {حَاشَ لِلَّهِ} وليس القياس في الحروف الحذف، إنما ذلك في الأسماء نحو أخ ويد، وفي الأفعال نحو لم يك ولا أدر، وهو قول متين يؤيده أيضًا ما حكاه أبو عمرو الشيباني وغيره أن العرب تخفض بها وتنصب" ا. هـ باختصار يسير، ومثله قول الراعي: أن على أهوى لألأم حاضر ... حسبا، وأقبح مجلس ألوانا قبح الإله -ولا أحاشي غيرهم- ... أهل السبيلة من بني حمانا