للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا ذلك لأنهم ما استعملوه في اختيار الكلام إلا ظرفًا، نحو قولهم "مرت بالذي سواك" فوقوعها هنا يدل على ظرفيتها بخلاف غير، ونحو قولهم "مررت برجل سواك" أي مررت برجل مكانك، أي: يغني غَنَاءك ويسدُّ مسدَّكَ، وقال لبيد:

[١٨٢]

وابْذُلْ سَوَامَ المَالِ إنَّ ... سِوَاءَهَا دُهْمًا وجُونَا

فنصب سواءها على الظرف، ونصب "دهما" بإن، كقولك: إن عندك رجلا قال الله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا} [المزمل: ١٢] والجون ههنا: البيض، وهو جمع جون، وهو من الأضداد، يقع على الأبيض والأسود، ولو كانت مما يستعمل اسمًا لكثر ذلك في استعمالهم، وفي عدم ذلك دليل على أنها لا تستعمل إلا ظرفًا.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما ما أنشدوه من قول الشاعر:

[١٧٨]

إذا ما جلسوا منا ولا من سوائنا

وقول الآخر:

[١٧٩]

وما قصدت من أهلها لسوائكا

فإنما جاز ذلك لضرورة الشعر، وعندنا أنه يجوز أن تخرج عن الظرفية في ضرورة الشعر، ولم يقع الخلاف في حال الضرورة، وإنما فعلوا ذلك واستعملوها


[١٨٢] هذا البيت من كلام لبيد بن ربيعة العامري، وسوام المال بفتح السين والواو جميعًا الذي يرعى حيث شاء لا يمنعه أحد، وهي أيضًا سائمة، وقد سامت تسوم، وأسامها صاحبها، وقال الله تعالى: {فِيهِ تُسِيمُون} والدهم: جمع الأدهم وهو الذي لونه الدهمة -بالضم- وهي السواد وتكون الدهماء والدهم خيار الخيل والإبل عندهم، والجون -بضم الجيم- جمع جون بفتحها، وهو الأسود، وهو أيضًا الأبيض، ويقال: كل بعير جون من بعيد، وكل لون سواد مشرب حمرة فهو جون. والاستشهاد بالبيت في قوله "إن سواءها دهمًا وجونًا" حيث استعمل "سواء" ظرفًا متعلقًا بمحذوف يقع خبرًا لإن مقدمًا على اسمها، و "دهما" اسم إن تأخر عن خبرها، ولو أنه لم يستعمل سواء ظرفًا لنصبه على أنه اسم إن ورفع ما بعده؛ وذلك لأن اسم إن لا يتأخر عن خبرها إلا أن يكون الخبر ظرفًا نحو قوله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا} أو جار ومجرورًا نحو قوله سبحانه: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَة} .
وأنت خبير -بعد الذي قررنا لك- أن الكوفيين لا يمانعون في أن تستعمل "سواء" بجميع لغاتها ظرفًا، ولكنهم يقررون أنها كما تكون ظرفًا تكون غير ظرف وتقع في جميع مواقع الإعراب متأثرة بالعوامل؛ فهذا الشاهد وغيره وآلاف الشواهد التي استعملت سواء فيها ظرفًا لا تنقض مذهبهم، فتنبه لذلك والله يعصمك.

<<  <  ج: ص:  >  >>