يقول: إنني لا أنسى عهدك على بعده، فكلما حنت عجول وناحت حمامة رقت نفسي فذكرتك. والاستشهاد به في قوله "ثلاثون للهجر حولًا"حيث فصل بين اسم العدد -وهو قوله "ثلاثون"- وتمييزه -وهو قوله "حولًا"- وهذا يقوي ما جوزه النحاة في "كم" من الفصل بينها وبين تمييزها عوضًا عما منعته من التصرف في الكلام بالتقديم والتأخير بسبب كونها أشبهت كم الاستفهامية فألزمت التصدير لذلك، وإن كان بين "كم" وبين اسم العدد فرق، فإن الثلاثين ونحوها من أسماء الأعداد لا تمتنع من التقديم والتأخير، لأنها لم تتضمن معنى يوجب لها التصدير، فكان عملها في التمييز أوسع من عمل كم، قال سيبويه "١/ ٢٩١": "واعلم أن كم تعمل في كل شيء حسن للعشرين أن تعمل فيه، فإذا قبح للعشرين أن تعمل في شيء قبح ذلك في كم، لأن العشرين عدد منون، وكذلك كم هو منون عندهم، كما أن خمسة عشر عندهم بمنزلة ما قد لفظوا بتنوينه، لولا ذلك لم يقولوا: خمسة عشر درهما، ولكن التنوين ذهب منه كما ذهب مما لا ينصرف، وموضعه موضع اسم منون، وكذلك كم موضعها موضع اسم منون، وذهبت منها الحركة كما ذهبت من إذ؛ لأنهما غير متمكنين في الكلام" ثم قال بعد كلام: "وتقول: كم رجل زارني، ولا تقول: زارني كم رجل، ولو قال: أتاك ثلاثون اليوم درهما، كان قبيحًا في الكلام؛ لأنه لا يقوى قوة الفاعل، وليس مثل لم؛ لما ذكرت لك، وقد قال الشاعر. على أنني بعد ما قد مضى ثلاثون..... وكم رجلًا أتاك، أقوى من كم أتاك رجلًا، وكم ههنا فاعلة" ا. هـ. وقال ابن يعيش: "فإن قيل: فلم قبح الفصل بين العدد ومميزه ولم يحسن أن تقول: قبضت خمسة عشر لك درهما، ورأيت عشرين في المسجد رجلًا؟ قيل: إنما كان كذلك لضعف عمل العشرين ونحوها فيما بعدها؛ لأنها عملت على التشبيه باسم الفاعل ولم تقوَ قوته، مع أنه قد جاء ذلك في الشعر" ا. هـ. ومثل هذا البيت في الفصل بين اسم العدد ومميزه ما أنشده ابن يعيش "٥٨١" ونسب روايته إلى سيبويه، ونسبه لعبد بني الحسحاس: فأشهد عند الله أن قد رأيتها ... وعشرون منها إصبعًا من ورائيا