للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحتمل عندي وجهًا رابعًا: أنه لو كان الأصل "يا ألله أمّنا بخير" لكان ينبغي أن يقال: اللهم وارحمنا، فلما لم يجز أن يقال إلا "اللهم ارحمنا" ولم يجز "وارحمنا" دلَّ على فساد ما ادَّعُوه.

وأما قولهم "إن هلم أصلها هل أم" قلنا: لا نسلم، وإنما أصلها "ها المم" فاجتمع ساكنان: الألف من "ها" واللام من "المم" فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، ونقلت ضمة الميم الأولى إلى اللام، وأدغمت إحدى الميمين في الأخرى، فصار هَلُمَّ.

وقولهم "الدليل على أن الميم ليست عوضًا من يا أنهم يجمعون بينهما كقوله:

[٢١٤]

إني إذا ما حَدَثٌ أَلَمَّا ... أقول يا اللهمَّ يا اللهمَّا

وقول الآخر:

[٢١٥]

وما عليك أن تقولي كلمَّا ... سبَّحت أو صلَّيت يا اللهمَّ ما"

فنقول: هذا الشعر لا يعرف قائله؛ فلا يكون فيه حجة، وعلى أنه إن صحَّ عن العرب فتقول: إنما جمع بينهما لضرورة الشعر، وسَهَّل الجمع بينهما للضرورة أن العوض في آخر الاسم، والمعوض في أوله، والجمع بين العوض والمعوض منه جائز في ضرورة الشعر، قال الشاعر:

[٢١٧]

هَمَا نَفَثَا في فِيَّ من فَمَوَيْهِمَا ... على النَّابِحِ العَاوِي أَشَدُّ رِجَامِ


[٢١٧] هذا البيت آخر قصيدة للفرزدق همام بن غالب يهجو فيها إبليس وابنه، وهو من شواهد سيبويه "٢/ ٨٣ و ٢٠٢" وقد أنشده ابن منظور "ف م م – ف وهـ" وعزاه إليه في المرتين، واستشهد به رضي الدين في باب الإضافة من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "٢/ ٢٦٩" وكان رجل من موالي بأهله قد أعطى الفرزدق نحي سمن على أن يهب له أعراض قومه -يعني يتركهم ولا يهجوهم- فقال هذه القصيدة "انظر الديوان ٧٦٩-٧٧١" وقوله "هما نفثا" رواية الديوان "هما تفلا" وضمير المثنى يعود إلى إبليس وابنه اللذين ذكرهما في قوله قبل بيت الشاهد:
وإن ابن إبليس وأبليس ألبنا ... لهم بعذاب الناس كل غلام
وقوله "أشد الرجام" أشد هنا أفعل تفضيل مضاف إلى ما بعده، ووقع في الديوان "أشد لجامي" على أن "أشد" فعل مضارع، ولعله تحريف، والاستشهاد بالبيت في قوله "فمويهما" فإن هذا مثنى الفم مضافًا إلى ضمير الغائبين، وللعلماء فيه كلام نلخصه لك فيما يلي: أكثر العلماء على أن أصل الفم "فوه" بدليل قولهم "تفوه فلان بكذا، وقولهم: فلان أفوه من فلان، وفلان مفوه، مثل مكرم، ثم حذفوا الهاء اعتباطًا، ولم يعوضوا منها شيئًا. =

<<  <  ج: ص:  >  >>