للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي ليس براح، وقال الآخر:

[٢٣١]

واللهِ لولا أن تَحُسَّ الطُّبَّخُ ... بِي الجحيمَ حين لا مُسْتَصْرَخُ

أي ليس مستصرخ هناك لنا.

وأما قولهم "إنما أعملوها النصب لأنهم لما أَوْلُوهَا النكرة -ومن شأن النكرة أن يكون خبرها مقدما عليها- نصبوا بها النكرة" قلنا: ولم قلتم ذلك؟ وما وجه المناسبة بينه وبين النصب؟ ثم لو كان كما زعمتم وأنه معرب منصوب لوجب أن يدخله التنوين ولا يحذف منه؛ لأنه اسم معرب منصوب لوجب أن يدخله التنوين ولا يحذف منه؛ لأنه اسم معرب ليس فيه ما يمنعه من الصَّرْفِ، فلم مُنِعَ من التنوين دلَّ على أنه ليس بمعرب منصوب.

وهذا هو الجواب عن قول من ذهب إلى أنه منصوب بلا؛ لأنها نقيضَةُ إنَّ؛ فإنه كان ينبغي أن يكون منوّنًا.

قولهم: "إنَّ لا لما كانت فرعًا على إنَّ في العمل، وأن تنصب مع التنوين نَصَبَتْ لا من غير تنوين؛ لينحط الفرع عن درجة الأصل". قلنا: هذا فاسد، وذلك لأن التنوين ليس من عمل إن، وإنما هو شيء يستحقه الاسم في الأصل، وإنما يستقيم هذا الكلام أن لو كان التنوين من عمل إن، ولا خلاف بين النحويين أن التنوين ليس من عملها، وإذا لم يكن من عمل إن التي هي الأصل، فلا معنى لحذفه مع "لا" التي هي الفرع لينحط الفرع عن درجة الأصل؛ لأن الفرع إنما ينحط عن درجة الأصل فيما كان من عمل الأصل، وإذا لم يكن من عمل الأصل، فيجب


[٢٣١] هذان بيتان من الرجز المشطور، وقد أنشدهما ابن منظور "ط ب خ - ح ش ش" ولم يعزهما إلى قائل معين، وأنشد سيبويه كلمة الاستشهاد "١/ ٣٥٧" ولم يعزها، ولا بينها الأعلم ولا تكلم عليها. وتقول: حش النار يحشها حشًا: أي جمع لها ما تفرق من الحطب وأوقدها، وتقول حش الحرب يحشها حشًا؛ إذا أسعرها وهيّجها، تشبيها بإسعار النار، قال زهير:
يحشونها بالمشرفية والقنا ... وفتيان صدق لا ضعاف ولا نكل
والطبخ: الملائكة الموكلون بعذاب الكفار، والاستشهاد بالبيت في قوله "لا مستصرخ" حيث رفع الاسم الواقع بعد "لا" النافية التي بمعنى ليس، وقد علمت مما قدمناه في شرح الشاهد السابق أن جمهرة البصريين على أنه مرفوع بلا؛ لأنها لما شبهت بليس عملت عملها فرفعت الاسم ونصبت الخبر، وأنا أبا العباس المُبَرِّد وموفق الدين بن يعيش -وتبعهما ابن هشام- جوزوا أن تكون "لا" في مثل هذا نافية مهملة لا عمل لها، والاسم المرفوع بعدها مبتدأ خبره محذوف، وهذا تخريج يتفق مع مذهب الكوفيين، ولكنا آثرنا لك ألا تأخذ بهذا التخريج لما بيَّنَّا لك من أن "لا" لو كانت مهملة لوجب تكرارها، فلما لم تتكرر في هذا الشاهد والذي قبله كان ذلك دليلا على أنها عاملة.

<<  <  ج: ص:  >  >>