للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا حجة فيه؛ لأن الأصل أن يقول "كلتا بالألف، إلا أنه حذفها اجتزاء بالفتحة عن الألف لضرورة الشعر، كما قال الآخر:

[٢٥٤]

فلست بمدرك ما فات مني ... بَلَهْفَ، ولا بِلَيْتَ، ولا لَوَ انِّي

[٢٨٣]

وَصَّانِي العَجَّاجُ فيما وَصَّنِي

أراد "فيما وصاني". وهذا كثير في أشعارهم.

وأما قولهم "إن الألف فيهما تنقلب في حالة النصب والجر إذا أضيفتا إلى المضمر" قلنا: إنما قلبت في حالة الإضافة إلى المضمر لوجهين:

أحدهما: أنهما لما كان فيهما إفراد لفظي وتثنية معنوية، وكانا تراة يضافان إلى المظهر وتارة يضافان إلى المضمر -جعلوا لهما حظًّا من حالة الإفراد وحظًّا من حالة التثنية، فجعلوهما مع الإضافة إلى المظهر بمنزلة المفرد على صورة واحدة في حالة الرفع والنصب والجر، وجعلوهما مع الإضافة إلى المضمر بمنزلة التثنية في قلب الألف من كل واحد منهما ياء في حالة النصب والجر؛ اعتبارًا بكلا الشبهين. وإنما جعلوهما مع الإضافة إلى المظهر بمنزلة المفرد لأن المظهر هو الأصل والمفرد هو الأصل فكان الأصل أولى بالأصل، وجعلوهما مع الإضافة إلى المضمر بمنزلة التثنية لأن المضمر فرع والتثنية فرع فكان الفرع أولى بالفرع، وهذا الوجه ذكره بعض المتأخرين.

والوجه الثاني: وهو أَوْجَهُ الوجهين، وبه عَلَّلَ أكثر المتقدمين -وهو أنه إنما لم تُقْلَبْ الألف فيهما مع المظهر وقلبت مع المضمر لأنهما لزمتا الإضافة وجر الاسم بعدهما؛ فأشبهتا لَدَى وإلى وعَلَى، وكما أن لدى وإلى وعلى لا تقلب ألفها ياء مع المظهر نحو "لَدَى زيدٍ، وإلى عمروٍ، وعلى بكر" وتقلب مع المضمر نحو "لديك، وإليك، وعليك" فكذلك "كلا، وكلتا" لا تقلب ألفهما ياء مع المظهر، وتقلب مع المضمر.


[٢٨٣] هذا بيت من الرجز المشطور من كلام رؤبة بن العجاج، وقد أنشده ابن منظور "وص ى" وعزاه إليه، وتقول: أوصيت الرجل إيصاء، ووصيته -بالتضعيف- توصية؛ إذا عهدت إليه، وأوصيت له بشيء، وقد أوصيت إليه؛ إذا جعلته وصيك، وتواصى القوم: أوصى بعضهم بعضا. ومحل الاستشهاد بالبيت قوله: "وصني" فإنه أراد أن يقول: "وصّاني العجاج فيما وصّاني" بالألف في الفعل الثاني كما جاء في الفعل الأول، فلما يتأتّ له، فحذف الألف؛ ليستقيم له الوزن والقافية جميعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>