للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأَكَّدَ "يومًا "بأجمع؛ فدلّ على جوازه.

وأما القياس فلأن اليوم مؤقت يجوز أن يقعد في بعضه، والليلة مؤقتة يجوز أن يقوم في بعضها، فإذا قلت "قعدت يوما كلُّهُ، وقمت ليلة كلَّهَا" صح معنى التوكيد؛ فدلَّ على صحة ما ذهبنا إلى.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أن تأكيد النكرة غير جائز من وجهين:

أحدهما: أن النكرة شائعة ليس لها عين ثابتة كالمعرفة؛ فينبغي أن لا تفتقر إلى تأكيد؛ لأن تأكيد ما لا يعرف لا فائدة فيه، وأما قولهم "رأيت درهما كل درهم" وما أشبه ذلك فهو محمول على الوصف لا على التأكيد.

والوجه الثاني: أن النكرة تدل على الشياع والعموم، والتوكيد يدل على التخصيص والتعيين، وكل واحد منهما ضِدُّ صاحبه؛ فلا يصلح أن يكون مؤكدًا له، ولو جوزنا ذلك لكنا قد صيرنا الشائع مخصصًا، وهذا ليس بتأكيد، بل هو ضد ما وضع له؛ لأن التأكيد تقرير، وهذا تغيير، ولهذا المعنى امتنع أن يجوز وصف النكرة بالمعرفة أو المعرفة بالنكرة؛ لأن كل واحد منهما ضد صاحبه؛ لأن النكرة شائعة، والمعرفة مخصوصة، والصفة في المعنى هي الموصوف، ويستحيل أن يكون الشيء الواحد شائعًا مخصوصًا في حال واحدة؛ فكذلك ههنا.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما ما استشهدوا به من الأبيات فلا حجة فيه: أما قول الشاعر:

[٢٨٤]

يا ليت عِدَّةَ حَوْلٍ كلِّهِ رَجَبُ

فنقول الرواية الصحيحة:

[٢٨٤]

يا ليت عدة حولي كلِّهِ رَجَبُ

بالإضافة، وهو معرفة لا نكرة، وأما قول الآخر:

[٢٨٥]

يومًا جديدًا كله مطردًا"


= مستساغ ومن الشواهد على جواز توكيد النكرة إن أفاد توكيدها ما أنشده سيبويه "١/ ٤٤":
ثلاث كلهن قتلت عمدا ... فأخزى الله رابعة تعود
الرواية عنده برفع ثلاث ورفع كلهن، وإن كان مذهبه في مثل ذلك النصب بالفعل بدليل قوله بعد إنشاده "فهذا ضعيف، والوجه الأكثر الأعرف النصب" وإنما كان هذا ضعيفًا لأنه لم يذكر العائد على المبتدأ، ولو أنه قال "ثلاث كلهن قتلته عمدا" لكان مرضيًا عنده، وعلى كل حال فإن الشاعر قد أكد قوله "ثلاث" وهو نكرة بقوله "كلهن" وذلك ظاهر إن شاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>