والتقدير فيه: قلبتم، والواو زائدة. والشواهد على هذا النحو من أشعارهم أكثر من أن تحصى.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الواو في الأصل حرف وُضِعَ لمعنى؛ فلا يجوز أن يحكم بزيادته مهما أمكن أن يُجْزَى على أصله، وقد أمكن ههنا، وجميع ما استشهدوا به على الزيادة يمكن أن يُحْمَل فيه على أصله وسنبين ذلك في الجواب عن كلماتهم.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما احتجاجهم بقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}[الزمر: ٧٣] فنقول: هذه الآية لا حجة لكم فيها؛ لأن الواو في قوله:{وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} عاطفة وليست زائدة، وأما جواب {إِذَا} فمحذوف، والتقدير فيه: حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها فَازُوا ونَعِمُوا، وكذلك قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، واقترب}[الأنبياء: ٩٦، ٩٧] الواو فيه عاطفة، وليست زائدة، والجواب محذوف، والتقدير فيه: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون قالوا يا ويلنا، فحذف القول، وقيل: جوابها: "فإذا هي شاخصة"، وكذلك قول الله تعالى:{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}[الانشقاق ١: ٥] الواو فيه عاطفة، وليست زائدة، والجواب محذوف، والتقدير فيه: إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخَلَّتْ وأذنت لربها وحقت يرى الإنسان الثواب والعقاب، ويدل على هذا التقدير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ}[الانشقاق: ٦] أي ساعٍ إليه في عملك، والكَدْحُ: عمل الإنسان من الخير والشر الذي يُجَازَى عليه بالثواب والعقاب.
وأما قول الشاعر:
[٢٨٨]
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى ... بنا بطن حقف ذي قِفافٍ عقنقل
فالواو فيه أيضًا عاطفة، وليست زائدة، والجواب مقدر، والتقدير فيه: فلما
= بها، والمراد في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} أدرك ثوابنا ونال المنزلة الرفيعة لدينا، وكذلك {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} تقديره: صادفوا الثواب الذي وعدوه، ونحوه، وكذلك قول الشاعر: حتى إذا امتلأت بطونكم وكان كذا وكذا تحقق منكم الغدر، واستحققتم اللّوم ونحو ذلك مما يصلح أن يكون جوابًا" ا. هـ.