للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زيدًا أخوك، وظننت زيدًا أخاك" بطل أن يكون أحدهما عاملًا في الآخر.

وأما ما استشهدوا به من الآيات فلا حجة لهم "فيه" من ثلاثة أوجه:

أحدها: أنا لا نسلّم أن الفعل بعد أيّا ما وأينما مجزوم بأيّا ما وأينما، وإنما هو مجزوم بإِنْ، وأيّا ما وأينما نابا عن إنْ لفظًا، وإن لم يعملا شيئًا.

والوجه الثاني: أنا نسلم أنها نَابَتْ عن إنْ لفظًا وعملًا، ولكن جاز أن يعمل كل واحد منهما في صاحبه لاختلاف عملهما، ولم يعملا من وجه واحد؛ فجاز أن يجتمعا ويعمل كل واحد منهما في صاحبه، بخلاف ما هنا.

والوجه الثالث: إنما عمل كل واحد منهما في صاحبه لأنه عامل؛ فاستحق أن يعمل، وأما ههنا فلا خلاف أن المبتدأ والخبر نحو: "زيد أخوك" اسمان باقيان على أصلهما في الاسمية، والأصل في الأسماء أن لا عمل؛ فَبَانَ الفرقُ بينهما.

وأما قولهم "إن الابتداء لا يخلو من أن يكون اسمًا أو فعلًا أو أداة إلى آخر ما قرروا "قلنا: قد بيّنا أن الابتداء عبارة [عن التَّعَرِّي] عن العوامل اللفظية.

وقولهم "فإذا كان معنى الابتداء هو التعرّي عن العوامل اللفظية هو إذًا عبارة عن عدم العوامل، وعدم العوامل لا يكون عاملًا" قلنا: قد بيّنا وجه كونه عاملًا في دليلنا بما يغني عن الإعادة ههنا، على أن هذا يلزمكم في الفعل المضارع؛ فإنكم تقولون "يرتفع بتعرِّية من العوامل الناصبة والجازمة"، وإذا جاز لكم أن تجعلوا التعرّي عاملًا في الفعل المضارع جاز لنا أيضًا أن نجعل التعرّي عاملًا في الاسم المبتدأ.

وحكي أنه اجتمع أبو عمر الجَرْمِي وأبو زكريا يحيى بن زياد الفَرَّاء، فقال الفراء للجرمي: أخبرني عن قولهم "زيد منطلق" لم رفعوا زيدًا١؟ فقال له الجرمي: بالابتداء، قال له الفراء: ما معنى الابتداء؟ قال: تَعْرِيته من العوامل، قال له الفراء: فأظهره، قال له الجرمي: هذا معنى لا يُظْهَر قال له الفراء: فمثله إذًا، فقال الجرمي: لا يتمثل، فقال الفراء: ما رأيت كاليوم عاملًا، لا يُظْهَر ولا يتمثل! فقال له الجرمي: أخبرني عن قولهم: "زيد ضربته" لم رفعتم١ زيدًا؟ فقال: بالهاء العائدة على زيد، فقال الجرمي: الهاء اسم فكيف يرفع الاسم؟ فقال الفراء: نحن لا نبالي من هذا؛ فإنا نجعل كل واحد من الاسمين إذا قلت "زيد منطلق" رافعًا


١ لعل أصل العبارة "بم رفعوا زيدًا؟ " وكذلك "بم رفعتم زيدًا؟ "

<<  <  ج: ص:  >  >>