للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد "وكل نار" فاستغنى عن تكرير "كل" وهذا كثير في كلامهم، وبهذا يبطل قول من توهَّم منكم أن ياء النسب في قولهم: "رأيت التيميَّ تيم عديَّ" اسم في موضع خفض؛ لأنه أبدل منهما "تَيْمِ عديِّ" فخفضه على البدل؛ لأن التقدير فيه: صاحب تيم عدي، فحذف "صاحب" وجر ما بعده بالإضافة؛ لأنه في تقدير الثَّبَات، وهذا هو الجواب عن قول الآخر:

وأبي نعيم ذي اللواء المحرق

ثم لو حُمِلَ ما أنشدوه من الأبيات على ما ادعوه لكان من الشَّاذ الذي لا يقاس عليه، والله أعلم.


= تستحق إطلاق هذا الاسم عليها هي النار التي يوقدها أربابها لقرى الضيفان ولهداية السالكين في ظلمات الليل. والاستشهاد بالبيت ههنا في قوله: "ونار" فإن هذه الواو عاطفة، و"نار" يحتمل وجهين من الإعراب:
الأول: أن يكون مجرورا بتقدير مضاف يكون معطوفا على كل في قوله: "كل امرئ" وعلى هذا الوجه يكون الشاعر قد حذف المضاف وأبقى المضاف إليه على جره، وأصل الكلام: أتحسبين كل امرئ امرأ وكل نار نارا، فكل امرئ: مفعول أول لتحسبين، وامرأ: مفعوله الثاني، وكل نار: معطوف على كل امرئ، ونارًا معطوف على امرأ، فعطف على المفعول الأول مثله، وعلى المفعول الثاني مثله، فهو عطف اثنين على معمولين لعامل واحد وهو تحسبين، وكل ما فيه أنه حذف المضاف وأبقى المضاف إليه على جره كما قلنا، وهذا الوجه هو أقرب وجوه الإعراب في هذه العبارة ونظائرها، وهو الذي يعنيه المؤلف باستشهاده بهذا البيت في هذا الموضع.
والوجه الثاني: أن تجعل الواو العاطفة قد عطفت جملة على جملة، فتقدر فعلا كالفعل السابق في الكلام، وتقدر له مفعولا أول يكون مضافا إلى نار المجرور، وتقدير الكلام على هذا الوجه: أتحسبين كل امرئ امرأ وتحسبين كل نار نارا، فحذف الفعل وفاعله ومفعوله الأول، وأبقى المضاف إليه والمفعول الثاني، وهذا الوجه أقل قبولًا من الوجه السابق لما فيه من كثرة المحذوفات.
والذي لا يجوز أن تذهب إليه هو أن تجعل "نار" المجرور معطوفا على "امرئ" المجرور، و"نارا" المنصوب معطوفا على "امرأ" المنصوب، وذلك لأن هذا الوجه الذي نحذرك منه يستلزم عطف معمولين على معمولين لعاملين مختلفين، ألست ترى "امرئ" المجرور معمولا لكل باعتباره مضافًا إليه والمضاف يعمل في المضاف إليه الجر، و"امرأ" المنصوب معمولًا لتحسبين باعتباره مفعولًا ثانيًا، والعطف على معمولي عاملين مختلفين مما لا يجيزه النحاة، أما تقدير "كل" وهو الوجه الأول وتقدير الفعل وهو الوجه الثاني فكل واحد منهما يخلصك من هذا المحذور، وإن كان أحدهما أفضل من الآخر، فاعرف هذا، وكن منه على ثبت، والله يرشدك ويبصرك.

<<  <  ج: ص:  >  >>