للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعطف "زُهْرٌ" على الضمير المرفوع في "أَقْبَلَتْ" وقال الآخر:

[٣٠٠]

وَرَجَا الأُخَيْطِلُ من سَفَاهَةِ رَأْيِهِ ... ما لم يكن وأبٌ له لِيَنَالَا


= غير أن يؤكد الضمير المستتر بضمير منفصل، وهذا جائز في سعة الكلام عند الكوفيين، وخصه سيبويه وجمهور البصريين بحالة الضرورة. ونظيره مما لم ينشده المؤلف قول الراعي، وهو من شواهد سيبويه "٢/ ٣٩١":
فلما لحقنا والجياد عشية ... دعوا يا لكلب واعتزينا لعامر
فقد عطف قوله "الجياد" بالواو على الضمير المرفوع المتصل في قوله "لحقنا" ولو أنه جرى على ما التزمه البصريون لقال: فلما لحقنا نحن والجياد، وقد وقع هذا في الكلام: من ذلك ما روي أن بعض العرب قال: مررت برجل سواء والعدم، برفع العدم على أنه معطوف على ضمير مستتر في سواء لأنه بمعنى مستو، ومن ذلك قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كنت وجار لي، برفع جار على أنه معطوف على الضمير المتصل المرفوع في "كنت" ومن ذلك قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه "كنت وأبو بكر وعمر، وهاتان العبارتان عبارة عمر وعبارة علي قد رواهما البخاري في صحيحه، ولهذا ذهب ابن مالك في شرح التسهيل إلى موافقة الكوفيين، وإن كان قد رجح مذهب البصريين في الألفية.
[٣٠٠] هذا البيت من كلام جرير بن عطية بن الخطفي، يهجو الأخطل التغلبي، وهو من شواهد الأشموني "رقم ٨٤٧" وأوضح المسالك "رقم ٤٢٥" وابن الناظم، وشرحه العيني "٤/ ١٦٠" بهامش الخزانة" والأخيطل: تصغير الأخطل، وأصله الوصف من الخطل، وهو الكلام الخارج عن حد الصواب والاعتدال، وبذلك لقبوا غياث بن الغوث التغلبي الذي يهجوه جرير، والسفاهة: ضعف الرأي. ومحل الاستشهاد في البيت قوله "يكن وأب له" حيث عطف قوله "أب" بالواو على الضمير المرفوع المستتر في "يكن" وهو يوافق رأي الكوفيين، على ما بَيَّنَّاه لك في شرح الشاهد السابق، ولو أنه جاء بالكلام على ما التزمه البصريون لقال: ما لم يكن هو وأب له. ومما جاء عن العرب مما فيه العطف بغير توكيد بالضمير المنفصل قول شاعر الحماسة، وهو من شواهد الرضي، وشرحه البغدادي "٢/ ٢٣٦"
ولست بنازل إلا ألمت ... برحلي أو خيالتها الكذوب
فقد عطف بأو قول "خيالتها" على الضمير المستتر في قوله "ألمت" والبصريون يرون هذا البيت أخف من بيت جرير وبيت عمر بن أبي ربيعة وبيت الراعي، والسر في ذلك أن الكلام طال بسبب إتيانه بمتعلق للفعل وهو قوله: "برحلي" فجعلوا طول الكلام نائبا مناب التوكيد، وجعلوا من هذه البابة قول الله تعالى: {مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} فقد زعموا أن الكلام قد طال بذكر "لا" ولو أن ذكرها جاء بعد حرف العطف وهو الواو، فلذلك ساغ ترك التوكيد بالضمير المنفصل، وهو كلام لا يقضي العجب منه، أن يجدوا في كلام الله تعالى -وهو أفصح الكلام وأدقه رعاية للصحيح البالغ الغاية- دليلًا يشهد لخصومهم فيتمحّلون ويتعلّلون.

<<  <  ج: ص:  >  >>