للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فترك صرف "زَوْبَرَ" وهو منصرف، ومعناه نُسِبَتْ إليّ بكمالها من قولهم: أخذ الشيء بزَوْبَرِهِ، إذا أخذه كله، وقيل: "بزَوْبَرَا" أي كذبًا وزورًا، وقال الآخر:

[٣١٣]

إلى ابْنِ أُمِّ أُنَاسَ أَرْحَلُ نَاقَتِي ... عمرو فَتُبْلِغُ حَاجَتِي أو تُزْحِفُ


= ووجدت له قطعة أخرى عدتها اثنا عشر بيتًا يقولها في التنصل إلى خالد القسري عامل هشام بن عبد الملك بن مروان على العراق؛ من هجاء كان قد هجى به خالد، فاتّهم الفرزدق بذلك الهجو، وهذا البيت يقع سادس أبياتها، وأولها:
ألكني إلى راعي الخليفة والذي ... له الأفق والأرض العريضة نورا
والغاوي: غير الرشيد، ويروى "إذا قال راوٍ" ويروى "عاوٍ" بالعين المهملة -من العواء، وهو صوت الكلب، وبها جرب: أي فيها عيب من هجاء ونحوه، وقوله "عدت عليّ بزوبرا" أي نسب إليّ بكمالها، مأخوذ من قولهم: أخذ الشيء بزوبره، يريدون كله، جعل زوبر علمًا على هذا المعنى. وقد نقل ابن جني عن أبي علي ما قد يفيد أن منع صرف زوبر في هذا البيت جارٍ على القياس، قال "سألت أبا علي عن ترك صرف زوبر، فقال: علقه علمًا على القصيدة فاجتمع فيه التعريف والتأنيث" ا. هـ.
[٣١٣] هذا البيت من كلام بشر بن أبي خازم، وقد أنشده ابن منظور "ز ح ف" وعزاه إليه، غير أنه وقع هناك هكذا:
قال ابن إياس ارْحَلْ ناقتي ... عمرو فتبلغ حاجتي أو تُزْحِفُ
والذي يتجه لي أن ما وقع في اللسان محرف عما رواه المؤلف هنا، ثم إني رأيت البغدادي يشير إلى أن هذا البيت قد قيل في مدح عمرو بن حجر الكندي، وأم أناس: كما قال المؤلف أيضًا هي بنت ذهل، من بني شيبان، وقد روي هذا البيت على وجه آخر، وهو:
وإلى ابن أم أناس تعمد ناقتي ... عمرو، لتنجح ناقتي أو تتلف
وقد بحثت طويلًا عن الكلمة التي منها هذا البيت فلم أعثر عليها. وتقول "رحل فلان ناقته يرحلها، من باب فتح" إذا وضع عليها الرحل وهيأها للسفر، وقوله "فتبلغ حاجتي" حذف المفعول الأول، وأصل الكلام: فتبلغني حاجتي، وقد أعتاد الشعراء أن يطلبوا إلى الناقة إبلاغهم حاجتهم، وانظر إلى قول الشماخ بن ضرار الغطفاني:
إذا بلغتني وحملت رحلي ... عرابة فاشرقي بدم الوتين
وإلى قول عنترة بن شداد العبسي قبله:
هل تبلغني دارها شدنية ... لعنت بمحروم الشراب مصرم
وقوله في بيت الشاهد "أو تزحف" مأخوذ من قولهم "زحف البعير يزحف زحفا -مثل فتح يفتح فتحا- وزحوفا، وزحفانا" إذا أعيا فجر فرسنه، يقول: إني أرحل ناقتي إلى عمرو بن أم أناس، فإما أن تبلغني مقصدي وإما أن تعيا فلا تستطيع السير، يريد أنه لا يرأف بها ولا يشفق عليها ولا يعطيها شيئًا من الراحة. والاستشهاد بالبيت في قوله "أم أناس" فقد منع "أناس" من الصرف، فجره بالفتحة من غير تنوين مع أنه ليس فيه إلا سبب واحد وهو العلمية، والكلام فيه كالكلام في الأبيات السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>