للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنصب "أحضر" لأن التقدير فيه: أن أحضر، فحذفها وأعملها على الحذف. والدليل على صحة هذا التقدير أنه عطف عليه قوله "وأن أشهد اللذات" فدل على أنها تنصب مع الحذف. وقال عامر بن الطُّفَيلِ:

[٣٦٩]

فلم أَرَ مثلها خُبَاسَةَ وَاجِدٍ ... ونَهْنَهْتُ نفسي بعد ما كِدْتُ أَفْعَلَهْ


[٣٦٩] هذا البيت من شواهد سيبويه "١/ ١٥٥" ونسبه لعامر بن جوين الطائي، وأقر هذه النسبة الأعلم الشنتمري، واستشهد به ابن هشام في مغني اللبيب "رقم ٨٩٥" ولم يعزه، والأشموني "رقم ٢٣٧" وأنشده ابن منظور "خ ب س" وقال قبل إنشاده "قال عمر بن جوين وامرؤ القيس" هكذا محرفًا، وروى أبو الفرج الأصفهاني عجز هذا البيت لعامر بن جوين الطائي وهو مع بيت سابق عليه بروايته هكذا:
فكم للسعيد من هجان مؤبلة ... تسير صحاحا ذات قيد ومرسلة
أردت بها فتكا فلم أرتمض له ... ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله
وقد استشهد بالبيت ابن الناظم في نواصب المضارع، وشرحه العيني "٤/ ٤٠١" والخباسة -بضم الخاء وفتح الباء مخففة- الغنيمة، وتقول: خبس فلان الشيء يخبسه -من مثال نصر- واختبسه، وتخبسه: أي أخذه وغنمه. ونهنهت نفسي: كففتها وزجرتها، وقال أبو جندب الهذلي.
فنهنهت أولي القوم عنهم بضربة ... تنفس عنها كل حشيان مجحر
والاستشهاد بهذا البيت في قوله "كدت أفعله" وكل العلماء متفقون على أن الرواية بنصب اللام في "أفعله" ولكنهم يختلفون في التخريج، فأما سيبويه فيرى أن الفعل المضارع هنا منصوب بأن المصدرية محذوفة مع أنه يقول: إن الأصل تجرد المضارع الذي يقع خبرًا لكاد من أن المصدرية، فقد ركب ضرورة على ضرورة، قال: "حمله على أن؛ لأن الشعراء قد يستعملون أن هنا مضطرين كثيرًا" ا. هـ. وقال الأعلم "الشاهد فيه نصب أفعله بإضمار أن ضرورة، ودخول أن على كاد لا يستعمل في الكلام، فإذا اضطر الشاعر أدخلها عليها تشبيهًا لها بعسى، لاشتراكهما في معنى المقاربة، فلما أدخلوها بعد كاد في الشعر ضرورة توهمها هذا الشاعر مستعملة، ثم حذفها ضرورة، هذا تقدير سيبويه، وقد خولف فيه؛ لأن أن مع ما بعدها اسم فلا يجوز حذفها، وحمل المراد بالفعل على إرادة النون الخفيفة وحذفها ضرورة، والتقدير عنده: بعد ما كدت أفعلنه، وهذا التقدير أيضًا بعيد، لتضمنه ضرورتين: إدخال النون في الواجب، ثم حذفها، فقول سيبويه أولى، لأن أن قد أتت في الأشعار محذوفة كثيرا" ا. هـ. وترجيحه مقالة سيبويه مع اشتماله على ضرورة مركبة على ضرروة أخرى من أعجب العجب، وقال ابن هشام في مغني اللبيب: "حذف أن الناصبة: هو مطرد في مواضع معروفة، وشاذ في غيرها، نحو: خذ اللص قبل يأخذك، ومرة يحفرها، ولا بدّ من تتبعها، أي قبل أن يأخذك، وأن يحفرها، ولا بدّ من أن تتبعها، وقال به سيبويه في قوله:
ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله
وقال المُبَرّد: الأصل أفعلها، ثم حذفت الألف ونقلت حركة الهاء لما قبلها، وهذا أولى =

<<  <  ج: ص:  >  >>