للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مظهرة ويرفع ما بعدها تشبيهًا لها بما؛ لأنها تكون مع الفعل بعدها بمنزلة المصدر كما أن "ما" تكون مع الفعل بعدها بمنزلة المصدر، ألا ترى أنك تقول "يعجبني أن تفعل" فيكون التقدير: يعجبني فعلك، كما تقول "يعجبني ما تفعل فيكون التقدير: يعجبني فعلك، فلما أشبهتها من هذا الوجه شُبِّهَتْ بها في ترك العمل، وقد روى ابن مجاهد أنه قرئ "لمن أراد أن يتم الرضاعة" بالرفع، وقال الشاعر:

[٣٧٠]

يا صاحبي فَدَتْ نفسي نفوسكما ... وحيثما كنتما لَاقَيْتُمَا رَشَدَا


[٣٧٠] قد استشهد بثالث هذه الأبيات ابن يعيش في شرح المفصل "ص٩٢٥" وابن جني في شرح تصريف المازني "١/ ٢٧٨" ورضي الدين في شرح الكافية "٢/ ٢١٧" وشرحه البغدادي في الخزانة "٢/ ٥٥٩" وابن هشام في مغني اللبيب "رقم ٣٥" وفي أوضح المسالك "رقم ٤٩٣" والأشموني "رقم ١٠١١" وشرحه العيني "٤/ ٣٨٠ بهامش الخزانة" وقال البغدادي "وهذه الأبيات الثلاثة قلما خلا عنها كتاب نحو، ومع كثرة الاستعمال لم يعزها أحد إلى شاعر" وأنشد العيني وابن جني ثاني هذه الأبيات هكذا:
إن تقضيا حاجة لي خفّ محملها ... تستوجبا سنة عندي بها ويدا
ومحل الاستشهاد بهذه الأبيات قوله "أن تقرآن" وقد اختلف العلماء في تخريج هذه الكلمة؛ فذهب قوم منهم الزمخشري وابن يعيش وتبعهما شراح الألفية -إلى أن "أن" هذه هي المصدرية التي تختص بالدخول على الفعل المضارع، والتي ينصب بها عامة العرب، ولكنها أهملت في هذا البيت ونحوه حملًا على "ما" المصدرية أختها، لاشتراكهما في معنى المصدرية وفي أن كل واحدة منهما تسبك ما بعدها بمصدر، وادّعى جماعة منهم ابن يعيش- أن إهمال "أن" المصدرية لغة لجماعة من العرب، قال: "على أن من العرب من يلغي عمل أن تشبيهًا بما، وعلى هذا قرأ بعضهم "لمن أراد أن يتم الرضاعة" بالرفع "ا. هـ. وذهب جماعة منهم أبو علي الفارسي وابن جني إلى أن "أن" ههنا مخففة من الثقيلة، وليست هي المصدرية المختصة بالفعل المضارع، وكان من حق العربية على الشاعر أن يفصل بين "أن" والفعل بالسين أو بسوف أو بقد، كما في قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المزمل: ٢٠] وقوله: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل: ٢٠] وقوله: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} [المائدة: ١١٣] ولكنه ترك الفصل حين اضطر لإقامة الوزن، قال ابن جني في شرح التصريف "١/ ٢٧٨" "سألت أبا علي عن ثبات النون في تقرآن بعد أن، فقال: أن مخففة من الثقيلة، وأولاها الفعل بلا فصل للضرورة، فهذا أيضًا من الشاذ عن القياس والاستعمال جميعا" ا. هـ. وجعل ابن هشام القول بأن "أن" هي المخففة من الثقيلة قول الكوفيين، والقول بأنها المصدرية أهملت حملًا على قول البصريين، قال في مغني اللبيب "ص٣٠ بتحقيقنا" "وقد يرفع الفعل بعد أن، كقراءة ابن محصين "لمن أراد أن يتم الرضاعة" وقول الشاعر:
أن تقرآن على أسماء ويحكما ... مني السلام وألا تشعرا أحدا
وزعم الكوفيون أن أن هذه هي المخففة من الثقيلة شذ اتصالها بالفعل، والصواب قول البصريين إنها أن الناصبة أهملت حملًا على ما أختها المصدرية" ا. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>