للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما من جهة القياس فلأَنَّ "أنْ" جاءت للتوكيد، والتوكيد من كلام العرب؛ فدخلت "أن" توكيدًا لها، لاتفاقهما في المعنى وإن اختلفتا في اللفظ كما قال الشاعر:

[٣٧٦]

قد يَكْسِبُ المالَ الهِدَانُ الجافي ... بغير لا عَصْفِ ولا اصْطِرَافِ


= ومحل الاستشهاد بهذا البيت قوله "لكيما أن" حيث أظهر الشاعر "أن" المصدرية بعد كي، وفي هذه العبارة ثلاثة مذاهب للنحاة:
المذهب الأول: مذهب جمهور الكوفيين، وتلخيصه أن "كي" في جميع استعمالاتها حرف مصدري ناصب للفعل المضارع بنفسه مثل أن المصدرية الناصبة للمضارع، فإن جاءت "أن" بعدها كما في هذا البيت فأن إما زائدة، وإما بدل من كي، وإما توكيد لكي، لأنهما بمعنى واحد، ونختار أنها توكيد، وإن جاءت اللام بعدها كما في قول الشاعر:
كي لتقضيني رقية ما ... وعدتني غير مختلس
وكما في بعض الروايات في الشاهد رقم "٣٤٦" الذي سبق قريبًا تكون اللام زائدة، وإن دخلت على "ما" الاستفهامية نحو قولك "كيمه" كانت كي أيضًا مصدرية، والمضارع المنصوب منها محذوف، وما الاستفهامية مفعول به للمضارع المحذوف، فإذا قال لك قائل "أزورك غدا" فقلت له "كيمه" فكأنك قلت: كي أفعل ماذا؟
المذهب الثاني: مذهب الكسائي، وحاصله أن كي في جميع استعمالاتها حرف جر، دالٍ على التعليل، وانتصاب المضارع بعدها بأن المصدرية مقدرة، فإن تقدمت عليها اللام الدالة على التعليل نحو قوله تعالى: {لِكَيْلا تَأْسَوْا} فكي بدل من اللام أو توكيد لها ومعناهما واحد، وإن تأخرت اللام كما في البيت الذي أنشدناه والشاهد رقم "٣٤٦" السابق، فاللام حينئذ بدل من كي أو توكيد لها.
المذهب الثالث: مذهب جمهور البصريين، وحاصله أن "كي" تأتي على ثلاثة أوجه:
الأول: أن تكون اسمًا مختصرًا من كيف، والثاني: أن تكون حرف جر دال على التعليل مثل اللام فتدخل على ما الاستفهامية وعلى ما المصدرية، والثالث: أن تكون حرفًا مصدريًا مثل أن المصدرية في المعنى والعمل، ولتفصيل مواضع كل واحد من هذه الوجوه الثلاثة مكان غير هذا الموضع.
ومثل البيت المستشهد به قول جميل بن معمر العذري، وهو من شواهد الرضي وابن هشام في المغني:
فقالت: أكل الناس أصبحت مانحًا ... لسانك كيما أن تغر وتخدعا؟
ومثله أيضًا قول الآخر، وأنشده أبو ثروان:
أردت لكيما أن ترى لي عثرة ... ومن ذا الذي يعطى الكمال فيكمل؟
[٣٧٦] هذان بيتان من الرجز المشطور، وقد أنشدهما ابن منظور "ص ر ف - ع ص ف" ونسبهما في المرتين إلى العجاج، وقد روى البغدادي "٣/ ٥٨٦" ثانيهما عن الفراء ونسبه إلى رؤبة، ورواهما ابن منظور "هـ د ن" باختلاف يسير هكذا:
قد يجمع المال الهدان الجافي ... من غير ما عقل ولا اصطراف
ونسبهما إلى رؤبة. والهدان -بكسر الهاء- الأحمق الوخم الثقيل في الحرب، والجافي: =

<<  <  ج: ص:  >  >>