للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوجه الثاني: أن يكون قد أظهر "أن" بعد "كي" لضرورة الشعر؛ وما يأتي للضرورة لا يأتي في اختيار الكلام.

والوجه الثالث: أن يكون الشاعر أبدل "أن" من "كيما" لأنهما بمعنى واحد، كما يبدل الفعل من الفعل إذا كان في معناه؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ} [الفرقان: ٦٩] فـ "يضاعف" بدل من "يلق" وقال الشاعر:

[٣٧٧]

متى تأتنا تُلْمِمْ بنا في ديارنا ... تجد حطبًا جزلًا ونارًا تَأَجَّجَا

[٣٧٨]

إن يَغْدِرُوا أو يَجْبُنُوا ... أو يَبْخَلُوا لا يَحْفِلُوا


[٣٧٧] هذا البيت من شواهد سيبويه "١/ ٤٤٦" ولم ينسبه إلى قائل معين، ولا نسبه الأعلم. وقد استشهد به الأشموني "رقم ٨٦٠" وانظر شرح الشاهد رقم ٧٠١ في خزانة الأدب "٣/ ٦٦" وانظر أيضًا شرح الشاهد "رقم ٣٠" في شرح قطر الندى لابن هشام. وتلمم: مضارع مجزوم من الإلمام وهو الزيارة. وتأججا: مأخوذ من التأجج وهو التوقّد والالتهاب، وهذه الكلمة تحتمل وجهين: الأول: أن تكون فعلًا ماضيًا، والألف في آخرها على هذا الوجه -يحتمل أن تكون ضمير الاثنين- وهما الحطب الجزل والنار -ويحتمل أن تكون الألف حرف الإطلاق، ويكون في الفعل ضمير مستتر يعود على النار أو على الحطب الجزل، فإذا أعدته على الحطب الجزل كان الأمر ظاهرًا، فإذا أعدته على النار احتجت إلى أن تسأل: كيف أعاد ضمير المذكر على النار وهي مؤنثة؟ ويجاب عن هذا بأنه لما كان تأنيث النار مجازيا استباح الشاعر لنفسه أن يؤنث الفعل المسند إليه. والوجه الثاني: أن يكون "تأججا" فعلًا مضارعا، وأصله تتأجج، فحذف إحدى التاءين، وعلى هذا الوجه يجب أن تعتبر هذه الألف منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة للوقف، والأصل "تتأججن". ومحل الاستشهاد بهذا البيت قوله "تأتنا تلمم بنا" فإن قوله "تلمم" بدل من قوله: "تأتنا" واسمع إلى سيبويه، قال: "وسألت الخليل عن قوله "متى تأتنا تلمم بنا.... البيت" قال: تلمم بدل من الفعل الأول، ونظيره في الأسماء: مررت برجل عبد الله، فأراد أن يفسر الإتيان بالإلمام كما فسر الاسم الأول بالاسم الآخر" ا. هـ. وقال الأعلم "الشاهد في جزم تلمم لأنه بدل من قوله تأتنا وتفسير له؛ لأن الإلمام إتيان، ولو أمكنه رفعه على تقدير الحال لجاز" ا. هـ.
[٣٧٨] هذان البيتان من شواهد سيبويه أيضًا "١/ ٤٤٦" وقد نسبهما لبعض بني أسد، ولم يزد الأعلم في نسبتهما على ذلك. وقوله "لا يحفلوا" من قول العرب: ما حفل فلان بكذا، يعنون أنه ما بالى به ولا أكثرت له، والمرجل: اسم المفعول من الترجيل وهو مشط الشعر وتليينه بالدهن ونحوه، ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "لا يحفلوا يغدوا عليك" فإن الفعل الثاني -وهو يغدوا- مجزوم لأنه بدل من الفعل الأول -وهو "لا يحفلوا"- وتفسير له. قال سيبويه "ومثل ذلك أيضًا قوله أنشدنيهما الأصمعي عن أبي عمرو لبعض بني أسد =

<<  <  ج: ص:  >  >>