الأسماء فلا يجوز أن تجعل من عوامل الأفعال؛ لأن عوامل الأسماء لا تكون عوامل الأفعال، كما أن عوامل الأفعال لا تكون عوامل الأسماء، وإذا ثبت أنه لا يجوز أن تكون عواملُ الأسماء عواملَ الأفعال، فوجب أن يكون الفعل منصوبًا بتقدير "أن" وإنما وجب تقديرها دون غيرها لأنها مع الفعل بمنزلة المصدر الذي يدخل عليه حرف الجر، وهي أم الحروف الناصبة للفعل؛ فلهذا كان تقديرها أولى من غيرها.
والذي يدل على أن الفعل بعد حتى منصوب بتقدير "أن" لا بها نفسها قول الشاعر:
[٣٨٨]
دَاوَيْتُ عين أبي الدَّهِيقِ بِمَطْلِهِ ... حتى المصيف ويَغْلُوَ القِعْدَانُ
فالمصيف: مجرور بحتى، ويغلو: عطف عليه، فلو كانت حتى هي الناصبة لوجب أن لا يجيء الفعل ههنا منصوبًا بعد مجيء الجر؛ لأن حتى لا تكون في موضع واحد جارة وناصبة، والمعطوف يجب أن يكون على إعراب المعطوف
[٣٨٨] أبو الدهيق: كنية رجل، ومطله: مصدر مطله يمطله من باب نصر إذا سوَّف في قضاء حاجته ولم يفِ له، والمصيف: زمان الصيف، ويغلو: مضارع "إلا البعير في سيره غلوا" إذا ارتفع في سيره فجاوز حسن السير، والقعدان بكسر القاف وسكون العين المهملة جمع قعود، وهو من الإبل الذي يقتعده الراعي في كل حاجة، يتخذه للركوب ولحم الزاد والمتاع. ويقال: القعود من الإبل هو البكر حين يركب ت أي يمكن ظهره من الركوب وأدني ذلك أن يأتي عليه سنتان، يقال للذكر: قعود، وللأنثي قلوص، إلى أن يثنيا، ثم يقال لذكر جمل وللأنثي ناقة، ومحل الاستشاهد من هذا البيت قوله "ويغلو" فإنه فعل مضارع منصوب، وقد سبقه اسم مجرور بحتي لأنها لو كانت هي الناصبة للفعل المضارع لكانت قد عملت الجر في الاسم والنصب في الفعل، ولا نظير لذلك في العربية، ولكانت الواو قد عطفت مضارعا منصوبًا على اسم مجرور وذلك مما لا يجوز، وقد ذهب البصريون إلى أن هذا المضارع منصوب بأن المصدرية محذوفة، والتقدير: أن يغلو القعدان، وأن هذه مع الفعل في تأويل مصدر مجرور معطوف على الاسم المجرور بحتي، وكأنه قال: حتى المصيف وغلو القعدان. قال أبو رجاء: ثم يقال بعد ذلك أن المعروف أن أن المصدرية تقدر بعد حرف من حروف العطف، وهذا هو مذهب البصريين، فأين هذا الحرف الذي ستقدر أن بعده؟ وذلك لأن حتى المذكورة قد عملت الجر في الاسم الذي بعدها، والذي يخطر لي أنه لتكملة كلام البصريين الذي ذكره المؤلف لا بد من تقدير "حتى" أخرى بعد الواو تكون أن المصدرية وما عملت فيه في تأويل مصدر مجرور بها، وتكون الواو قد عطفت حتى ومجرورها على حتى المذكورة ومجرورها، وكأنه قد قال: حتى المصيف وحتي يغلو القعدان؛ فتأمل في ذلك.