سؤال عن الحال، والحال لا يكون إلا نكرة، وسائر أخواتها تارة تجاب بالمعرفة وتارة تجاب بالنكرة، فلما قصرت عن أحد الأمرين ضعفت عن تصريفها في مواضع نظائرها من المجازاة.
والوجه الثاني: إنما لم يجز المجازاة بها لأنها لا يجوز الإخبار عنها، ولا يعود إليها ضمير، كما يكون ذلك في مَنْ وما وأي ومهما، فلما قصرت في ذلك عن نظائرها ضعفت عن تصريفها في مواضع نظائرها من المجازاة.
والوجه الثالث: أن الأصل في الجزاء أن يكون بالحرف، إلا أن يضطر إلى استعمال الأسماء، ولا ضرورة ههنا تلجئ إلى المجازاة بها؛ فينبغي أن لا يجازى بها؛ لأنا وجدنا أيًّا تغني عنها، ألا ترى أن القائل إذا قال "في أي حال تكن أكن" فهو في المعنى بمنزلة "كيف تكن أكن". غير أن هذا الوجه عندي ضعيف لأن "أيا" كما تتضمن الأحوال تتضمن الزمان، والمكان، وغير ذلك؛ فكان ينبغي أن يستغنى بها عن متى ما وأينما وغيرهما من كلمات المجازاة؛ فلما لم يستغنوا بها عنها دلَّ على ضعف هذا التعليل.
والتعويل في الدلالة على أنه يجوز أن يجازى بها الوجهان الأولان.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إنها أشبهت كلمات المجازاة في الاستفهام، وإن معناها كمعنى كلمات المجازاة" قلنا: لا نسلم أن معناها كمعنى كلمات المجازاة، وذلك لأنه لا تتحقق المجازاة بها، ألا ترى أنك إذا قلت "كيف تكن أكن" كان معناها: على أي حال تكون أكون، فقد ضَمِنْتَ له أن تكون على أحواله وصفاته كلها، وأحوال الشخص كثيرة يتعذر أن يكون المجازي عليها كلها؛ لأنه يتعذر أن يتفق شيآن في جميع أحوالهما، بل ربما كان كثير من الأحوال لا يدخل تحت الإمكان كالصّحة والسّقم والقوة والضعف إلى غير ذلك؛ فإن أحدهما لو كان سقيما والآخر صحيحا أو ضعيفا والآخر قويا لما كان يمكن السقيم أن يجعل نفسه صحيحا ولا الضعيف أن يجعل نفسه قويا، فأما متى ما وأينما فإنه تتحقق المجازاة بهما، ألا ترى أنك إذا قلت "أينما تكن أكن" فقد ضمنت له متى كان في بعض الأماكن أن تكون أيضًا في ذلك المكان، ولا يتعذر، وكذلك إذا قلت "متى تذهب أذهب" ضمنت له في أي زمان ذهب أن تذهب معه، وهذا أيضًا غير متعذر، بخلاف كيف؛ فإنه يتعذر أن يكون المجازى على جميع أحوال المجازي وصفاتها كلها لكثرتها وتنوعها، فبان الفرق.