للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حذفها إسقاطا لذلك المعنى الذي جاءت من أجله، وذلك خلاف الحكمة.

والذي يدلّ على صحة هذا ثبوت التنوين في المنقوص والمقصور وحذف حرف العلة منهما لالتقاء الساكنين وإن كان أصليًا فيهما، ألا ترى أنك تقول في المنقوص "هذا قاضٍ، ومررت بقاضٍ" والأصل فيه "هذا قاضيٌ، ومرت بقاضيٍ" إلا أنهم لما حذفوا الضمة والكسرة استثقالا لهما على الياء بقيت الياء ساكنة والتنوين ساكنًا فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين وأبقوا التنوين؛ لأن الياء ما جاءت لمعنى، والتنوين جاء لمعنى؛ فكان تبقيته أولى، فكذلك أيضًا تقول في المقصور "هذه رحًا وعصًا" والأصل فيه "رحيٌ وعَصَوٌ" فلما تحركت الياء والواو انفتح ما قبلهما قلبوهما ألفًا١ لتحركهما وانفتاح ما قبلهما، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين وبقي التنوين بعدها؛ لأن الألف ما جاءت لمعنى، والتنوين جاء لمعنى؛ فكان تبقيته أولى، فكذلك ههنا، ولهذا كان الواجب في تصغير منطلق ومغتسل: مطيلق ومغيسل، وكذلك التكسير نحو: مَطَالق ومَغَاسل بإثبات الميم وحذف النون من منطلق والتاء من مغتسل؛ لأن الميم جاءت لمعنى -وهو الدلالة على اسم الفاعل- والنون والتاء ما جاءتا لمعنى؛ فكان حذفهما أولى من حذف الميم؛ لأنها جاءت لمعنى، وكذلك القياس في كل حرفين اجتمعا فوجب حذف أحدهما؛ فإن حذف ما لم يجئ لمعنى أولى من حذف ما جاء لمعنى، والسر فيه هو٢ أن الحرف الذي جاء لمعنى قد تَنَزَّلَ في الدلالة على معنى بمنزلة سائر الكلمة التي تدل بجميع حروفها على معنى، بخلاف الحرف الذي لم يجئ لمعنى؛ فإنه ليس فيه دلالة على معنى في نفسه البتة، فكما يمتنع أن تحذف الكلمة بأسرها لشيء لا معنى له في نفسه؛ فكذلك ههنا: يمتنع أن يحذف الحرف الذي جاء لمعنى لأجل حرف لم يجئ لمعنى، فدل على أن حذف التاء الأصلية أولى من الزائدة على ما بيّنّا، والله أعلم.


١ في ر "قلبوها ألفا" وليس بذاك.
٢ في ر "وهو أن.... إلخ" والظاهر أن الواو من "وهو" زائدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>