التوكيد الخفيفة، والمراد به موسى وهارون، فدل على ما قلناه.
قالوا: ولا يجوز أن يقال: "إنما يجتمع حرفان ساكنان في الوصل، إذا كان الثاني منهما مدغما في مثله، نحو "دابَّة، وتُمُودَّ، وأُصَيْمّ" لأنا نقول: إن هذا النحو قد يلحقه ما يوجب له الإدغام، نحو قولنك "اضربا نُّعْمَانَ، واضربانِّي" فالنون الأولى في قولك "اضربا نعمان" نون التوكيد الخفيفة، والنون الثانية نون "نعمان" وكذلك النون الأولى في "اضربانّي" نون التوكيد المخففة، والنون الثانية التي تصحب ضمير المتكلم١؛ فينبغي أن تجيزوا هذا الإدغام؛ لأن الألف تقع وبعدها نونٌ مشددة، كقوله تعالى:{وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[يونس: ٨٩] في قراءة من قرأ بالتشديد، فلما لم تجيزوا ذلك دلَّ على فساد ما ذهبتم إليه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز دخول نون التوكيد الخفيفة في هذين الموضعين، وذلك لأن نون الاثنين التي للإعراب تسقط؛ لأن نون التوكيد إذا دخلت على الفعل المعرب أكدت فيه الفعلية فردَّته إلى أصله وهو البناء، فإذا سقطت النون بقيت الألف؛ فلو أدخل عليها نون التوكيد الخفيفة لم يَخْل: إما أن تحذف الألف أو تكسر النون، أو تُقَرَّ ساكنة، بطل أن تحذف الألف؛ لأنه بحذفها يلتبس فعل الاثنين بالواحد، وبطل أن تكسر النون؛ لأنه لا يعلم هل هي نون الإعراب أو نون التوكيد، وبطل أن تُقَرَّ ساكنة؛ لأنه يؤدي إلى أن يجمع بين ساكنين مظهرين في الإدراج، وذلك لا يجوز؛ لأنه إنما يكون ذلك في كلامهم إذا كان الثاني منهما مدغما، نحو "دابّة، وضالّة، وتمودّ الثوب، ومُدَيْقّ، وأصيمّ" وما أشبه ذلك؛ فبطل إدخال هذه النون في فعل الاثنين.
وكذلك أيضًا يبطل إدخالها في فعل جماعة النسوة، وذلك لأنك إذا ألحقته إياها لم يَخْلُ: إما أن تبين النونين مظهرتين، أو تدغم إحداهما في الأخرى، أو تلحق الألف فتقول: "يفعلنان" بطل أن تبين النونين مظهرتين؛ لأنه يؤدي إلى اجتماع المثلين، وذلك لا يجوز، وبطل أن تدغم إحداهما في الأخرى؛ لأن لام الفعل ساكنة، والمدغم كذلك؛ فيلتقي ساكنان، وساكنان لا يجتمعان؛ فيؤدي إلى تحريك اللام مع ضمير الفاعل من غير فائدة، وذلك لا يجوز، وكان أيضًا يؤدي إلى اللبس؛ لأنه لا يخلو: إما أن تحرك اللام بالفتح، أو الضم، أو الكسر؛ فإن حركتها بالفتح التبس بفعل الواحد إذا لحقته النون الشديدة، نحو "تضربنَّ يا رجل" وإن حركتها بالضم التبس بفعل الجمع، نحو "تضربُنَّ يا رجال" وإنّ حركتها