للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال "يَعْلَمَا" بالألف، ولا يجوز أن يكون ههنا بالنون؛ لمكان قوله "مُعَمَّمَا" بالألف، لأن النون لا تكون وصلا مع الألف في لغة من يجعلها وصلا، ولا رويًّا مع الميم إلا في الإكفاء، وهو عيب من عيوب الشعر، ولو جاز أن تقع رويّا معها لما جاز ههنا؛ لأن النون مقيدة، والميم مطلقة، فإن أتى بتنوين الإطلاق على لغة بعض العرب فقال "معمما" بالتنوين جاز أن يقول "يَعْلَمَنْ" بالنون؛ لأنهم يجعلون في القافية مكان الألف والواو والياء تنوينا، ولا فرق عنده في ذلك بين أن تكون هذه الأحرف أصلية أو منقلبة أو زائدة، في اسم أو فعل، كما قال الشاعر:

[٤١٠]

أَقِلِّي اللَّوْمَ عاذلَ والعتابَنْ ... وقولي: إنْ أَصَبْتُ لقد أَصَابَنْ


= شيء يوضع في فم السّقاء ويصبّ اللبن فيه مخافة أن يقع على الأرض، والثمال -بضم الثاء- ههنا الرغو، ويحسبه: أي الوطب الذي علاه الثمال، وما في قوله "ما لم يعلما" مصدرية ظرفية: أي مدة عدم علمه، ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "يعلما" والعلماء يستشهدون بهذه الكلمة لشيئين: أولهما أن نون التوكيد تنقلب ألفًا في الوقف، ألا ترى الراجز قد جاء بهذه الكلمة في آخر البيت بالألف لأن آخر البيت محل الوقف؟ والثاني أن الفعل المضارع المنفي بلم تدخل عليه نون التوكيد تشبيهًا للم بلا الناهية، وسيبويه يرى أن ذلك لا يكون إلا في الضرورة، قال الأعلم "الشاهد فيه دخول النون في قوله لم يعلمن، وليس المضارع بعد لم من مواضع نون التوكيد، ضرورة" ا. هـ بتوضيح يسير.
[٤١٠] هذا البيت من كلام جرير بن عطية بن الخطفي، وهو من شواهد سيبويه "١/ ٢٩٨/ و٢٩٩" وابن جني في الخصائص "٢/ ٩٦" وفي شرح تصريف المازني "١/ ٢٤٤" وابن هشام في مغني اللبيب "رقم ٥٦٧" وفي أوضح المسالك "رقم ١" والأشموني "رقم ٤" وابن عقيل "رقم ١" وشرحه العيني "١/ ٩١ بهامش الخزانة" ورضي الدين في أوائل شرح الكافية وشرحه البغدادي في الخزانة "١/ ٣٤" ومفصل الزمخشري وشرحه لابن يعيش "ص١٢٣١" وأقلي: فعل أمر من الإقلال، وهو في الأصل جعل الشيء قليلا، وقد يطلق على ترك الشيء بتة، وهو المراد ههنا، واللوم: العذل والتوبيخ، وعاذل: مرخم عاذلة، وهو اسم فاعل مؤنث من العذل وهو اللوم والتعنيف، والعتاب: هو مخاطبة الإدلال ومذاكرة الغضب، والمراد ههنا اللوم في تسخط، وأصبت: يروى بضم التاء على أنها ضمير المتكلم، ويروى بكسرها على أنها ضمير المخاطبة المؤنثة. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "العتابن" و"أصابن" حيث لحق التنوين هاتين الكلمتين، وههنا أشياء لا بد أن ننبّهك إليها، الأول: أن هذا التنوين يسمى تنوين الترنّم، وهو غير مختص بالأسماء، بل يدخل الاسم والفعل والحرف، ويدخل من الأسماء المتمكن وغير المتمكن والمقرون بأل وغير المقرون بها، ولو كان مختصًّا بالأسماء لما دخل غير الأسماء المتمكنة المجردة من أل، والثاني: أن هذا ضرب من ضروب إنشاد القوافي، قال سيبويه في باب وجوه القوافي في الإنشاد: "وأما ناس كثير من تميم فإنهم يبدلون مكان المدة النون فيما ينون وما =

<<  <  ج: ص:  >  >>