للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الآخر:

[٤٢٠]

لَتَجِدَنِّي بالأمير بَرًّا ... وبالقَنَاة مِدْعَسًا مِكَرَّا

إذا غُطَيْفُ السُّلَمِيُّ فَرَّا

أرد" غطيف" بالتنوين، إلا أنه حذفه لالتقاء الساكنين، كما حذفت نون التوكيد لالتقاء الساكنين.

والذي يدل على أن نون التوكيد في الفعل بمنزلة التنوين في الاسم أنه إذا انفتح ما قبلها أُبْدِلَتْ منها في الوقف ألفًا، وإذا انضم ما قبلها أو انكسر حذفتها، كما تُبْدِلُ من التنوين في النصب إذا وقفت ألفًا، نحو "رأيت زيدا" وتحذفه في الرفع والجر وتقف بالسكون نحو "هذا زيد، ومررت بزيد" فدلّ على ما قلناه.

وأما قولهم: "إن هذه النون دخلت لتأكيد الفعل المستقبل؛ فكما جاز إدخالها في كلّ فعلٍ؛ فكذلك فيما وقع فيه الخلاف" قلنا: إنما جاز هناك لمجيئه في النقل، وصحته في القياس، وأما ما وقع فيه الخلاف فلم يأتِ في النقل عن أحد من العرب، ولا يصحُّ في القياس؛ لأنه لا نظير له في كلامهم.

وأما قولهم: "إن الألف فيها زيادة مدّ" قلنا: إلا أنه على كل حال لا يخفُّ كل الخفة، ولا يَعْرَى عن الثقل، هذا مع عدم نظيره في النقل وضعفه في القياس؛ لأن الألف لم تخرج عن كونها ساكنة، وإذا كانت ساكنة فلا يجوز أن يقع بعدها ساكن إلا مدغما، نحو "دابّة وشابّة" لأن الحرف المدغم بحرفين: الأول ساكن، والثاني متحرك، إلا أنه لما نَبَا اللسان عنهما نَبْوَةً واحدة، وصارا بمنزلة حرف واحد وفيهما حركة قد رفع المدّ في الألف كأنه لم يجتمع ساكنان.


= التقاء الساكنين اللذين هما سكون التنوين وسكون لام الذي لأن بينهما ألف وصل ولا اعتداد بها في الدرج، لكنه حذف التنوين رأسًا في هذا الموضع للتخلص من التقاء هذين الساكنين، وهذا الحذف من الضرورات التي لا تقع إلا في الشعر.
[٤٢٠] هذه ثلاثة أبيات من الرجز المشطور، وقد أنشد ثلاثتها ابن الشجري في أماليه "١/ ٣٤٥" وابن منظور "د ع س" وأنشد أولها وثانيها "د ع ص" ولم يعزها في المرتين، وأنشدها أبو زيد في النوادر "٩١" مع بيتين سابقين من غير عزو، وتقول: رجل مدعس، ومدعص -وهو بالصاد أشهر- ومداعس بضم الميم هنا: أي طعان، وتقول: دعصه بالرمح يدعصه دعصا -من مثال فتح- إذا طعنه به، وقد يمسى الرمح مدعصًا؛ لأنه آلة الدعص، وجمعه مداعص -بفتح الميم- ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "غطيف" حيث حذف التنوين لغير واحد من الأسباب الثمانية السابقة بيانها، بل للتخلص من التقاء الساكنين، وهو ضرورة، والقول فيه كالقول في الشواهد السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>