للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: لم يَشِيمُوا سيوفَهم غيرَ كاثرة بها القتلى، والمعنى لم يشيموا سيوفهم١ إلا في تلك الحالة، وإذا كان محمولا على النفي لا على النهى لم يكن لكم فيه حجة.

والذي يدل على فساد ما ذهبوا إليه أنه لا يجتمع ساكنان في الوصل إلا إذا كان الثاني منهما مدغما.

قولهم: "إن هذا النحو قد يلحقه ما يوجب له الإدغام، نحو: اضْربَا نُّعْمَانَ واضْرِبَانِّي، فينبغي أن تجيزوا هذا للإدغام" قلنا: هذا لا يستقيم؛ لأنا نكون قد رَدَدْنَا النونَ الخفيفة مع لزوم حذفها في حال الوصل والوقف إذا لم يتبعه كلام، وذلك خطأ. ثم كيف ترده وأنت لو جمعت هذه النون إلى نون ثانية لاعتلت وأدغمت وحذفت في قول بعض العرب؟ فإذا كُفُوا مؤنتها لم تكن ليردوها إلى ما يستثقلون، ولو جوزنا هذا في "اضربا نُّعْمَان" ونحوه لوجب إجازته في قولك "اضْرِبَانَ أباكما" في قول من لم يهمز؛ لأن هذا الموضع لم يمتنع فيه الساكن من التحريك، فتردها إذا وثقت بالتحريك كما رددتها حيث وثقت في الإدغام، وكما لا يجوز أن ترد في هذا وما أشبهه لأنك جئت به إلى شيء قد لزمه الحذف فكذلك ههنا، ولو وجب٢ إجازته في غير ذلك من الأسماء التي لا نون في أولها؛ ليكون


= والمفروض أن معنى لم يشيموا لم يغمدوا فإن المعنى حينئذ انتفت إعادتهم السيوف إلى أغمادها وانتفت أيضًا كثرة القتلى، يعني أن الثابت لهم شيآن: عدم إغماد السيوف، وعدم كثرة القتلى، وهذا ذم شنيع، ولا شك أنه ليس مراد الشاعر، وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أن الواو في قوله "ولم تكثر القتلى" يجوز أن تكون للعطف، وصححوا المعنى على ما أراد الشاعر بأحد وجهين: الأول أن معنى "لم يشيموا سيوفهم" لم يسلّوها: أي لم يخرجوها من أغمادها. وهذا وجه نقله مع الوجه الأول ابن رشيق في العمدة؛ قال بعد إنشاد البيت: "أراد لم يغمدوا سيوفهم إلا بعد أن كثرت به القتلى؛ كما تقول: لم أضربك ولم تجن عليّ إلا بعد أن جنيت عليّ، وقال آخرون: أراد لم يسلوا سيوفهم إلا وقد كثرت بها القتلى؛ كما تقول: لم ألقك ولم أحسن إليك إلا وقد أحسنت إليك؛ والقولان جميعا صحيحان؛ لأنه من الأضداد" ا. هـ. والحاصل أنك إذا فسرت لم يشيموا سيوفهم" بلم يغمدوها تعين أن تكون الواو للحال، وإن فسرت "يشيموا سيوفهم" بلم يسلوها جاز أن تكون الواو للعطف وجاز أن تكون للحال؛ والوجه الثاني من الوجهين: أن مراد الشاعر بقوله "ولم تكثر القتلى" أنهم لم يكثروا من القتل؛ لأنهم لا يقتلون كل من قدروا عليه، وإلا لأفنوا أعداءهم إفناء، وإنما يقتلون أكفاءهم في الشجاعة والإقدام على المكاره، وذلك قليل في أعدائهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>