فقلت له: يا ذئب، هل لك في فتى ... يواسي بلا من عليك ولا بخل؟ فقال: هداك الله للرشد! إنما ... دعوت لما لم يأته سبع مثلي ومحل الاستشهاد في البيت قوله "ولاك اسقني" وأصل العبارة "ولكن اسقني" فالتقى فيها ساكنان: نون لكن، وسين اسقني، وكان الأصل في التخلص من هذين الساكنين أن يكسر نون لكن، ولكن الشاعر حذفها هنا للتخلص من التقاء الساكنين حين اضطر لإقامة الوزن؛ قال الأعلم "حذف النون من لكن لاجتماع الساكنين ضرورة لإقامة الوزن وكان وجه الكلام أن يكسر لالتقاء الساكنين، شبهها في الحذف بحروف المد واللين إذا سكنت وسكن ما بعدها، وذلك نحو يغز العدو، ويقض الحق، ويخش الله، ولما استعمل محذوفًا نحو لم يك ولا أدر" ا. هـ. [٤٣٣] هذا البيت هو البيت السبعون من معلقة امرئ القيس بن حجر الكندي "انظر شرح التبريزي ص٦٩" والبيت من شواهد سيبويه "١/ ٣٣٥" ولكنه روى صدره "أحار ترى برقا" وابن جني في الخصائص "١/ ٩٦" ولكنه روى صدره "أعني على برق أريك وميضه" و"حار" في رواية سيبويه يريد به "حارث" فحذف الثاء، و"صاح" في رواية المؤلف يريد به "صاحبي" فحذف ياء المتكلم وحذف آخر المضاف أيضا، وترى: يريد أترى -بهمزة الاستفهام- إلا أنه لما كان حرف الاستفهام في صورة حرف النداء الذي استعمله وهو الهمزة، وكان حرف النداء يؤدّي من التنبيه وتحريك المخاطب مثل ما يؤديه حرف الاستفهام اكتفى بحرف النداء والوميض -بفتح الواو- اللمع، والحبي -بفتح الحاء وتشديد الياء- وهو السحاب المعترض بالأفق، والمكلل: المتراكب بعضه فوق بعض، وقوله: "في حبي" متعلق بوميضه. ومحل الاستشهاد في رواية المؤلف قوله "أصاح" فإن هذه الكلمة مؤلفة من حرف النداء وهو الهمزة ومنادى مضاف لياء المتكلم وقد رخّمه الشاعر بحذف ياء المتكلم، وحذف حرف من أصل الكلمة، وأصله صاحبي، ونظيره في ذلك قول الشاعر: صاح هل ريت أو سمعت براع ... رد في الضرع ما قرى في العلاب وقول الآخر: صاح شمر، ولا تزال ذاكر المو ... ت؛ فنسيانه ضلال مبين وجاء على هذا الغرار قول أبي العلاء المعرى: صاح هذي قبورنا تملا الرحـ ... ـب فأين القبور من عهد عاد؟ يريد هؤلاء الشعراء "يا صاحبي" فحذفواياء المتكلم، ثم استتبعواذلك الحذف حذف الياء التي هي آخر حروف الكلمة الأصلية، وقد حذفوامع ذلك حرف النداء وهذا الترخيم شاذ، ولا يكون مثله عند البصريين إلا في ضرورة الشعر، لما علمت "في المسألة ٤٨" من أنهم لا يجيزون ترخيم الاسم المضاف، فارجع إلى المسألة التي أحلناك عليها لتعلم حقيقة الأمر.