للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعض العرب:

[٤٣٦]

أَوْمَتْ بعينيها من الهَوْدَج ... لولاك هذا العام لم أَحْجُج

وأما مجيء الضمير المنفصل بعده نحو "لولا أنا ولولا أنت" كما قال تعالى: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: ٣١] فلا خلاف أنه أكثر في كلامهم وأفصح، وعدم مجيء الضمير المتصل في التنزيل لا يدل على عدم جوازه، ألا ترى أنه لم يأتِ في التنزيل ترك عمل "ما" في المبتدأ والخبر نحو "ما زيد قائم، وما عمرو منطلق" وإن كانت لغة جائزة فصيحة، وهي لغة بني تميم، قال الشاعر:

[٤٣٧]

رِكَابُ حُسَيْلٍ أَشْهُرَ الصَّيْفِ بُدَّنٌ ... ونَاقَةُ عمرو ما يُحَلَّ لها رَحْلُ

ثم لم يدل عدم مجيئها في التنزيل على أنها غير جائزة ولا فصيحة؛ فكذلك ههنا، والله أعلم.


[٤٣٦] هذا البيت من شواهد الزمخشري في المفصل وابن يعيش في شرحه "ص٤٣٨" ونسبه إلى عمر بن أبي ربيعة، ولا يوجد البيت في أصل ديوانه، ولكنه موجود في زيادات الديوان أول بيتين "انظر الديوان ٤٨٧ بتحقيقنا" ومن شواهد رضي الدين في شرح الكافية في باب الضمير: وشرحه البغدادي في الخزانة "٢/ ٤٢٩" ونسب قوم بيت الشاهد للعرجي -واسمه عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان- وهو مثل عمر بن أبي ربيعة أحد شعراء قريش الغزليين، وأومت: معناه أشارت، وأصله أومأت، فسهل الهمزة بقلبها ألفا من جنس حركة ما قبلها، ثم حذف هذه الألف للتخلص من التقاء الساكنين معاملة لها معاملة الألف الأصلية في نحو سعت ونهت وسقت وشفت وأبقت وأفنت وتغاضت وتراضت، وما أشبه ذلك، والهودج: مركب من مراكب النساء ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله: "لولاك" حيث وقع الضمير المتصل الذي يكون في محل الجر أو النصب بعد لولا، والقول فيه كالقول في الشاهدين السابقين فلا نطيل الحديث بعد أن فصلنا لك ذلك فيما سبق.
[٤٣٧] الركاب: الإبل، ولا واحد لها من لفظها، وإنما واحدها راحلة، وأشهر الصيف: مركب إضافي صدره منصوب على الظرفية، والبدن: جمع بادن، وهو الكثير اللحم العظيم البدن، ويقال بادن للمذكر والمؤنث، وربما قيل للمؤنث: بادنة، وكنى بكون ركابه بدنا عن أنها لا تعمل ولا يؤخذ منها شيء من دم أو لبن، وقابله بقوله "ما يحل لها رحل" أي أنها على سفر دائمًا، وحسل: اسم رجل وأصله ولد الثعلب، وحسيل: تصغيره. ومحل الاستشهاد من البيتين قوله: "وما أنت فرع ولا أصل" حيث أهمل "ما" النافية فلم يرفع بها الاسم وينصب الخبر، وإهمالها لغة تميم، وإعمالها لغة أهل الحجاز وهي التي وردت في القرآن الكريم في قوله سبحانه: {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: ٣١] وقوله: جلت كلمته {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: ٢] وقد علمنا أن القرآن الكريم نزل على الرسول الكريم بلغة قومه وهم أهل الحجاز، فعدم وجود لغة أخرى فيه لا يدل على ضعف هذه اللغة المتروكة، ولا على أنه لا يجوز التكلم بها، نعم الأفصح في الاستعمال هو ما جاء في الكتاب العزيز.

<<  <  ج: ص:  >  >>