للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن قوله: {لَنَنْزِعَنَّ} عمل في: {مِنْ} وما بعدها، واكتفى الفعل بما ذكر معه، كما تقول "قتلت من كل قبيل، وأكلت من كل طعام" فيكتفي الفعل بما ذكر معه، فكذلك ههنا: عمل الفعل في الجار والمجرور واكتفى بذلك، ثم ابتدأ فقال: "أيهم أشد" فرفع "أيهم" بأشد كما رفع "أشد" بأيهم، على ما عرف من مذهبنا.

والوجه الثاني: أن الشيعة معناها الأعوان، وتقدير الآية: لننزعن من كل قوم شَايَعُوا فتنظروا أيهم أشد على الرحمن عتيًا، والنظر من دلائل الاستفهام، وهو مُقَدَّر معه، وأنت لو قلت "لأَنْظرنَّ أيهم أشد" لكان النظر معلقًا، لأن النظر والمعرفة والعِلْمَ ونحوهن من أفعال القلوب، وأفعال القلوب يسقط عملهن إذا كان بعدهن استفهام، فدل على أنه مرفوع لأنه مبتدأ.

والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه ما حكاه أبو عُمَرَ الجَرْمِي أنه قال: خرجت من الخندق -يعني خندق البصرة- حتى صرت إلى مكة، لم أسمع أحدا يقول "اضرب أيهم أفضل" أي: كلهم ينصبون، وكذلك لم يُرْوَ عن أحد من العرب "اضرب أيهم أفضل" بالضم، فدلَّ على صحة ما ذهبنا إليه.

والذي يدل على فساد قول مَنْ ذهب إلى أنه مبني على الضم أن المفرد من المبنيات إذا أضيف أعرب، نحو قبل وبعد، فصارت الإضافة توجب إعراب الاسم، وأيّ إذا أفردت أعربت، فلو قلنا "إنها إذ أضيفت بنيت" لكان هذا نقضًا للأصول، وذلك محال..

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنها مبنية ههنا على الضم، وذلك لأن القياس يقتضي أن تكون مبنية في كل حال، لوقوعها موقع حرف الجزاء والاستفهام والاسم الموصول كما بنيت "مَنْ، وما" لذلك في كل حالٍ، إلا أنهم أعربوها حملًا على نظيرها، وهو "بَعْض" وعلى نقيضها وهو "كل"، وذلك على خلاف القياس، فلما دخلها نقص بحذف العائد ضعفت فردّتْ إلى أصلها من البناء على مقتضى القياس، كما أن "ما" في لغة أهل الحجاز لما كان القياس يقتضي أن لا تعمل، إذا تقدم خبرها على اسمها أو دخل حرف الاستثناء بين الاسم والخبر ردّ على ما يقتضيه القياس من بطلان عملها، فكذلك ههنا: لما كان القياس يقتضي أن تكون مبنية، لما حذف منها العائد ردّت إلى ما يقتضيه القياس من البناء، يدل عليه أن "أيهم" استعملت استعمالا لم تستعمل عليه أخواتها من حذف المبتدأ معها، تقول: "اضرب أيهم أفضل" تريد أيهم هو أفضل، ولو قلت: "اضرب من أفضل، وكل ما أطيب" تريد من هو أفضل وما هو أطيب لم يجز، فلما

<<  <  ج: ص:  >  >>