للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قولهم: "إن تقدير الآية فتنظروا أيهم أشد" قلنا: وهذا أيضا خلاف الظاهر؛ لأنه ليس في اللفظ ما يدل على تقدير هذا الفعل، وقوله: "لننزعن" فعل يصلح أن يكون "أيهم" مفعولًا له، فكان أولى من تقدير فعل لا دليل يدل عليه ولا حاجة إليه.

وأما ما حكي عن أبي عمر الجرمي أنه قال: خرجت من الخندق فلم أسمع أحدا يقول ضَرَبْتُ أيُّهم أفضل، قلنا: هذا يدل على أنه ما سمع "أيهم" بالضم، وقد سمعه غيره.

والذي يدل على صحة هذه اللغة ما حكاه أبو عمرو الشيباني عن غسَّان -وهو أحد من تؤخذ عنه اللغة من العرب -أنه أنشد:

[٤٤٢]

إذا ما أتيت بني مالك ... فسلّم على أيُّهم أفضل

برفع "أيهم" فدل على أنها لغة منقولة صحيحة لا وجه لإنكارها.

وأما قولهم: "إن المفرد من المبنيّات إذا أضيف أعرب، وأيُّ إذا أفردت


[٤٤٢] هذا البيت من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل "ص٤٦٣ و٤٩٠" ورضي الدين في باب الموصول من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "٢/ ٥٢٢" وابن هشام في مغني اللبيب "رقم ١١٩" وفي أوضح المسالك "رقم ٥٠" والأشموني "رقم ١١٠" وابن عقيل "رقم ٣٣" وشرحه العيني "١/ ٣٤٦ بهامش الخزانة" والبيت لغسان بن علة بن مرة بن عباد، ويروى "إذا ما لقيت بني مالك" ومحل الاستشهاد به قوله "على أيهم أفضل" فإن الرواية في هذه الكلمة بضم "أيهم" على ما حكاه أبو عمرو الشيباني، ويلزم أن تكون "أي" في هذه العبارة موصولة بمعنى الذي، ويكون "أفضل" خبرا لمبتدأ محذوف، وتقدير الكلام فسلم على الذي هو أفضل؛ ولا يجوز أن تكون "أي" استفهامية مع الضم، لأنه يلزم على هذا محظوران: أحدهما أن يعلق حرف الجر عن العمل في لفظ المجرور لأن أي الاستفهامية غير مبنية، وهذا مما لا يقوله أحد، والثاني أن يخرج اسم الاستفهام عن الصدارة، كما لا يجوز أن تكون أي شرطية، لأن الشرطية لا تبنى على الضم، وهي تستدعي فعل شرط وجوابه، وليس هنا شيء من ذلك، وإذا لم تصلح "أي" أن تكون استفهامية ولا شرطية تعين أن تكون موصولة، ولذلك قال ابن يعيش بعد أن أنشد البيت "وهذا نص في محل النزاع" ا. هـ. وقد تمحل قوم فقالوا: يجوز أن تكون "أي" في هذا البيت استفهامية مبتدأ مرفوعا بالضمة الظاهرة، و"أفضل" خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب مقول لقول محذوف يقع نعتا لمنعوت محذوف، وهذا المنعوت المحذوف هو المجرور بعلى وتقدير الكلام على هذا الوجه: فسلم على شخص مقول فيه: أيهم أفضل، وهذا كلام لا يقضى العجب منه، وهذه المقدرات الكثيرة ما الدليل على حذفها؟ ولو أن ثبوت قواعد اللغة ارتكب في الوصول إليه مثل هذه التمحلات لما ثبتت قاعدة أصلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>