للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولهم: "إنه لم يوجد فيعل في كلامهم" قلنا: قد بين أن المعتل يختص بأبنية ليست للصحيح؛ فلا حاجة إلى أن تجعل فيعلا مثل عين مع شذوذه وندرة في بابه، وقد وجدنا سبيلا إلى أن تجعل فيعلا على لفظه، ولو جاز أن يعتد بقولهم عين بفتح العين مع شذوره وندوره لجاز أن يعتد بما حكى الأصمعي، قال: حدثني بعض أصحابنا قال: سمعتهم يقولون جاءت الصيقل بكسر القاف وإذا امرأة كأن وجها سيف، فملا رأتنا أرخت البرقع فقلت: يرحمك الله! إنا سفر، وفينا أجرن فلو منحتنا من وجهك، فانصاعت فتضاحكت، وهي تقول:

[٤٩٥]

وكنت متى أرسلت طرفك زائدا ... لقلبك يوما أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر ... عليه، ولا عن بعضه أنت صابر


[٤٩٥] هذان البيتان قد أنشدهما ابن قتيبة في عيون الأخبار "٢٢٤" مع نفس القصة التي حكاها المؤلف ههنا، ولم يعز البيتين إلى قائل معين، ولم ينشد المؤلف البيتين للاستشهاد بهما على قاعدة من قواعد النحو ولا البيان معنى كلمة غريبة، ولكنه أتي بهما لأنهما وردا في القصة التي يحكيها وفيها أن الصيقل سمع من بعض العرب بكسر القاف، وفي ذكر قصة الفتاة وإنشاد البيتين إشارة من الأصمعي إلى أنه متثبت من رواية الصيقل بكسر القاف، ووجه هذه الإشارة أنه يذكر الظروف والملابسات التي أحاطت به وتقول: صقل السيف وغيره سصقله صقلا مثل نصره ينصره نصرا وصقالا، فهو مصقول وصقيل تريد جلاه، والصاقل: الذي يجلوه ويشحذه، وجمعه صقله على مثال فاجر وفجرة وكافر وكفرة، ويقال لشحاذ السيوف وجلائها: صيقل ت بفتح الصاد وسكون الياء وفتح القاف وجمعه صياقل وصياقله، وقد حكى الأصمعي في هذه القصة أنه سمع من بعض أصحابه أن قوما من العرب يقولون صيقل بسكر القاف، وهو شاذ؛ لأن هذا الوزن لم يجيء في صحيح العين كما سمعت في شرح الشاهد ٤٩٤ وإنما يجيء كسر العين في معتل العين، والخلاصة أن العرب قد خصت معتل العين المزي فيه بعد الفاء بالمجيء على زنة فيعل بكسر اليعن كسيد وميت وهين وبين ولين وصيبت وخصت صحيح العين بالمجيء على وزن فيعل بفتح العين نحو صيرف وحيدر وجيال وبيطر وصيقل ونيرب بمعنى الشر والنميمة وهذا هو الأصل الذي جرى عليه كلامهم، ولكنهم ربما جاءوا بالكلمة من المعتل على الوزن الذي خصوا به الصحيح مثل كلمة "العين" التي وردت في الشاهد ٤٩٤ وقد بينا لك أمرههناك، وربما جاءوا بكلمة من الصحيح على الوزن الذي خصوا به المعتل مثل كلمة الصيقل التي حكاها الأصمعي في هذه القصة، وهذا وذاك شاذان، فاعرف ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>