للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يدل على أن "إنسان" مأخوذ من النسيان أنهم قالوا في تصغيره "أُنَيْسِيَان" فردوا الياء في حال التصغير؛ لأن الاسم لا يكثر استعماله مصغرا كثرة استعماله مكبرا، والتصغير يرد الأشياء إلى أصولها، فدل على ما قلناه.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن وزنه فِعْلَان لأن "إنسان" مأخوذة من الإنس، وسمي الإنسان إنسا لظهورهم، كما سمي الجن جنا لاجتنانهم أي استتارهم، ويقال "آنست الشيء" إذا أبصرته، قال الله تعالى: {آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارَا} [القصص: ٢٩] أي: أبصر، وكما أن الهمزة في الإنس أصلية ولا ألف ونون فيه موجودتان؛ فكذلك الهمزة أصلية في إنسان، ويجوز أن يكون سمي الإنس إنسا لأن هذا الجنس يستأنس به ويوجد فيه من الأنس وعدم الاستيحاش ما لا يوجد في غيره من سائر الحيوا ن، وعلى كلا الوجهين فالألف والنون فيه زائدتان؛ فلهذا قلنا إن وزنه فِعْلَان.

وأما الجواب عن كلما ت الكوفيين: أما قولهم "إن الأصل في إنسا ن إنسيان، إلا أنهم لما كثر في كلامهم حذفوا منه الياء لكثرة الاستعمال، كقولهم أيش في أي شيء وعم صباحا في أنعم صباحا وويلمه في ويل أمه" قلنا: هذا باطل؛ لأنه لو كان الأمر كما زعمتم لكان يجوز أن يؤتى به على الأصل، كما يجوز أن تقول: أي شيء، وانْعَمْ صباحا، وويل أمه على الأصل؛ فلما لم يأت ذلك في شيء من كلامهم في حالة اختيار ولا ضرورة دل على بطلان ما ذهبتم إليه.

وأما قولهم "إنهم قالوا في تصغيره أنيسيان" قلنا: إنما زيدت هذه الياء في أنيسيان على خلاف القياس، كما زيدت في قولهم "لييلية" في تصغير ليلة، و"عشيشية" تصغير عشية، وكقولهم على خلا ف القيا س "مغيربان" في تصغير مغرب، و"رويجل" في تصغير رجل، إلى غير ذلك مما جاء على خلا ف القياس؛ فلا يكون فيه حجة، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>