للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولون: ما نعبدهم، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: ٧] أي: يقولون ربنا، وقال تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد: ٢٣، ٢٤] أي يقولون: سلام عليكم، وقال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة: ١٢٧] أي يقولون: ربنا؛ وقال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [آل عمران: ١٠٦] أي يقال لهم: أكفرتم، وقال تعالى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ، إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} [الواقعة: ٦٥-٦٦] أي تقولون: إنا لمغرمون.

وهذا في كلام الله تعالى وكلام العرب كثيرًا جدًا، فلما كثر حَذْفه كثرة ذكره حذفوا الصّفة التي هي مقول؛ فدخل حرف الجر على الفعل لفظًا وإن كان داخلًا على غيره تقديرًا، كما دخلت الإضافة على الفعل لفظًا وإن كانت داخلة على غيره تقديرًا في قوله:

[٦٥]

ما لك عندي غيرُ سهم وحَجَر، ... وغير كبدَاءَ شديدة الوَتَر

جادت بِكَفَّيْ كان من أَرْمَى البشر

أي: بكفَّيْ رجل كان من أرمى البشر، فحذف الموصوف الذي هو "رجل" وأقام الجملة مقامه، فوقعت الإضافة إلى الفعل لفظًا وإن كانت داخلة على غيره تقديرًا، فكذلك ههنا: دخل حرف الجر على الفعل لفظًا، وإن كان داخلًا على غيره تقديرًا.


[٦٥] لم أعثر لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين، وهو من شواهد مغني اللبيب "رقم ٢٦٦" والأشموني "رقم ٧٩١ بتحقيقنا" وشواهد الرضي، وقال البغدادي "٢/ ٣١٢" "لم يعرف له قائل" والسهم: واحد السهام، وهي النبال، وهو أيضًا حجر يوضع فوق باب بيت يبنى لاصطياد الأسد فإذا دخل الأسد هذا البيت وقع الحجر فسد الباب عليه، والكبداء -بفتح فسكون- القوس إذا كانت واسعة المقبض، والوتر: مجرى السهم من القوس، والضمير المستتر في "ترمي" راجع على الكبداء التي هي القوس، وأرمى البشر: أشدهم رميًا وأكثرهم إصابة للهدف، والاستشهاد بالبيت في قوله "بكفي كان من أرمى البشر" حيث حذف الموصوف وأبقى صفته، وأصل الكلام: بكفي رجل كان من أرمى البشر، أما الموصف فهو "رجل" الذي يضاف قوله "بكفي" إليه، وأما الصفة فهي جملة "كان من أرمى البشر" ويجوز لك أن تعتبر "كان" زائدة لا تعمل شيئًا؛ لوقوعها بين شيئين متلازمين ليسا جارًّا ومجرورًا وهما النعت ومنعوته، وعلى هذا يكون قوله "من أرمى البشر" جارًّا ومجرورًا متعلقًا بمحذوف نعت للمنعوت المحذوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>