للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والظروف يجوز أن يفصل بها بين "كان" وما عملت فيه لاشتمالها على الأشياء فتقديمها وهي ملغاة بمنزلة تأخيرها, واعلم: أن جميع ما جاز في المبتدأ وخبره من التقديم والتأخير, فهو جائز في "كان" إلا أن يفصل بينها وبين ما عملت فيه بما لم تعمل فيه فإن فصلت بظرف ملغى جاز, فأما ما يجوز فقولك: كان منطلقًا عبد الله, وكان منطلقًا اليوم عبد الله, وكان أخاك صاحبنا, وزيد كان قائمًا غلامه, والزيدان كان قائمًا غلامهما, تريد كان غلامهما قائمًا, وكذلك: أخوات "كان" قال الله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين} ١. وتقول: من كان أخاك إذا كانت "من" مرفوعة, كأنك قلت: أزيد كان أخاك, وتقول: من كان أخوك, إذا كانت "من" منصوبة, كأنك قلت: أزيدًا كان أخوك, وهذا كقولك: من ضرب أخاك؟ ومن ضرب أخوك؟ فما أجزته في المبتدأ والخبر من التقديم والتأخير/ ٧٢ فأجزه فيها, ولكن لا تفصل بينها وبين ما عملت فيه بما لم تعمل فيه, ولا تقل: كانت زيدًا الحمى تأخذ, ولا: كان غلامه زيد يضرب, لا تجز هذا إذا كان "زيد والحمى" اسمين لكان. فإن أضمرت في "كان" الأمر أو الحديث أو القصة وما أشبه ذلك وهو الذي يقال له: المجهول. كان ذلك المضمر اسم "كان" وكانت هذه الجملة خبرها, فعلى ذلك يجوز, كان زيدًا الحمى تأخذ, وعلى هذا أنشدوا:

فَأَصْبَحُوا والنَّوى عَالي مُعَرّسِهم ... وَلَيَس كُلَّ النّوى يَلقَى المَسَاكِين٢

كأنه قال: وليس الخبر يلقى المساكين كل النوى ولكن هذا المضمر


١ الروم: ٤٧.
٢ من شواهد الكتاب ١/ ٣٥، وجـ١/ ٧٣ على الإضمار في ليس لأنها فعل، والدليل على ذلك إيلاؤها المنصوب.
وكذلك ذكره بعض النحويين شاهدا على إضمار الشأن والحديث في "ليس" فنصب كل النوى بـ"يلقى" فتخلو الجملة لذلك من ضمير ظاهر, أو مقدر يعود على مرفوع "ليس" لأن ضمير الشأن لا يعود عليه من الجملة المخبر بها عنه ضمير، لأن هذا المخبر عنه هو الخبر في المعنى.. والمعرس: المنزل الذي ينزله المسافر آخر الليل، والتعريش: النزول في ذلك الوقت، يقول: أصبحوا وقد غطى النوى لكثرته على منزلهم، ولا يلقى المساكين أكثر النوى ولكنهم يأكلونه من الجهد والجوع وكان الشاعر معدودا من بخلاء العرب، ونزل به قوم فأطعمهم تمرا. والشاهد: لحميد بن مالك الأرقط.
وانظر المقتضب ٤/ ١٠٠، وشرح السيرافي ١/ ٣٥٧، وأمالي ابن الشجري ٢/ ٢٠٣، وابن يعيش ٧/ ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>