للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذي يعنينا من هذه العلل التي أوردها البطليوسي كأسباب، أوجبت الاختلاف ونقلها الشيخ "أبو رية", إنما هو العلة الثانية المتعلقة بنقل الحديث على معناه دون لفظه, ونتساءل لماذا انقلب الأصل إلى فرع, والفرع إلى أصل؟

الأصل أن الصحابة رووا الأخبار كما سمعوها. والفرع هو الترخص في أدائها، بمعانيها متى ألجأتهم الضرورة إلى ذلك، وحتى مع التسليم بوقوع هذا الانقلاب, فلسنا نرى أن أداء الأخبار بالمعنى يفضي إلى هذه النتائج الخطيرة,

فإذا قلت لابنك: قل لفلان: إن أبي يدعوك لتناول وجبة طعام العشاء معه, فذهب الغلام, فقال لمن أرسلته إليه: إن والدي يدعوك لتتعشى معه، فأي ضرر تحقق بالمخالفة بين لفظ المرسل، ولفظ من أرسله.

ولقد مثل صاحب كتاب التنبيه وتبعه أبو رية بحديث: "قصوا الشوارب وأعفوا اللحى" , رواه أحمد عن أبي هريرة، ورواه البخاري عن ابن عمر في كتاب اللباس بلفظ: "أنهكوا الشارب وأعفوا اللحى" , وفي رواية لابن عمر أيضا: "خالفوا المشركين؛ وفروا اللحى وأحفوا الشوارب". قال البطليوسي "قوله: أعفوا يحتمل أن يريد به كثروا، ووفروا، ويحتمل أن يريد: خففوا، وقللوا، فلا يفهم مراده من ذلك إلا بدليل من لفظ آخر، والمعنيان جميعا موجودان في كلام العرب: يقال: عفا وبر الناقة إذا كثر، وكذلك لحمها. قال الله عز وجل {حَتَّى عَفَوْا} ؛ أي كثروا.

<<  <   >  >>