المدينة هي دار هجرته صلى الله عليه وسلم، أوريتها في المنام وفي اليقظة في رحلة الإسراء والمعراج، ثم كانت في الواقع دار هجرته, فيها توطدت دعوته، وتمت نصرته، وشبت فتية قوية دولته، وأهلها هم الذين آووا ونصروا، وتبوءوا الدار والإيمان، وأحبوا من هاجر إليهم، فأحبهم الله ورسوله، وصالح المؤمنين.
وفي المدينة نزل أكثر القرآن المتصل بالأحكام، وبها كان أغلب التشريع، وفيها طاب المقام لكثير ممن عايشوا الوحي, وتابعوه كلمة بكلمة، واستمرت المدينة عاصمة الدولة طيلة عهد الثلاثة الراشدين، ولم ينتقل عنها رابعهم إلا مكرها.
وفي المدينة جلس أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينشرون علمه الذي ورثوه عنه، واشتهر منهم عمر رضي الله عنه وابنه عبد الله وعلي بن أبي طالب وصهيب الرومي١.
١ صهيب بن سنان بن مالك, ويقال: خالد بن عمرو بن عقيل, ويقال: طفيل بن عامر بن جندلة, وهو عربي غري وأمه من بني مالك بن عمرو بن تميم سبته الروم صغيرا, ثم بيع في مكة لعبد الله بن جدعان, فأعتقه, قيل: هرب إلى مكة وحالف ابن جدعان, وكنيته أبو يحيى, أسلم قديما, وصحب النبي قبل البعثة, وما فارقه بعدها, توفي في شوال سنة ثمان وثلاثين عن سبعين سنة. الإصابة ج٢، ص١٩٥، ١٩٦, والاستيعاب ج٢، ١٧٤-١٨٢ بهامش الإصابة.