لما أشرقت شمس الهداية الإلهية، وتألقت أنوار التجليات الربانية بالعناية والرعاية للبشرية، وبعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخاتمة، وأنزل عليه الكتاب المهيمن على ما بين يديه من الكتب المصدق لها، وتكفل المولى بحفظ ذلك الكتاب، اجتمعت القلوب والألباب حول الرسالة وصاحبها, وأدرك المؤمنون الصلة بين الكتاب المنزل وبين أقوال وأفعال وصفات وتقريرات النبي المبلغ, فقد علمهم ربهم أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من طاعة الله، وأن متابعته متابعة له ومبايعته مبايعة له, وأدركوا أنه المبين عن الله ما أراده من خلقه.
فقد بين لهم كل ما احتاج إلى بيان، وقبلوا هم منه في ثقة واطمئنان، ولم يخطر ببال أحد منهم أن يترك قولا أو فعلا أو أمرا أو نهيا من غير أن يلتزم به, وهذا الالتزام مبعثه الاقتناع التام, وهو التزام بالحكم باق بقاء الأحكام, ولا معنى لتعلقه بالأشخاص، فما كان الله ليأمر بطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم في حياته فحسب، وإنما كانت الطاعة مبدأ كما كان الالتزام كذلك, والمبادئ لا تموت, ومن أبرز سماتها الاستقرار والثبوت، ولهذه المبادئ رجالها الذين يعتنقونها, ويلتزمون بها, ويموتون دونها، ولو وضعت الشمس في أيمانهم والقمر في شمائلهم على أن يتخلوا عنها ما تركوها، وما ازدادوا إلا تمسكا بها.