حين كان الصحابة يتلقون الحديث مباشرة أو بواسطة، زمن حياته صلى الله عليه وسلم كانوا في مأمن من أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يدس في سنته فلا مكان لخديعة منافق أو تدليس غاش، إذ إن الوحي ينزل فيكشف زيف المبطلين ويظهر خبأهم:{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ} ١.
وإذا عرض خلاف في مسألة ما, أو لاحت ريبة, فالملاذ موجود لا عليهم إلا أن يرجعوا إليه ليحسم أي خلاف ولتزول أية شبهة، بل ويندفع الخاطر أو الهاجس، فلما انتقل صلوات الله وسلامه عليه إلى الرفيق الأعلى, لم يكن هناك حارس للسنة, ولا وعاء لها إلا صدور الصحابة، ومن هنا نظروا إليها على أنها كنوز ثمينة في صدور الذين أوتوا العلم، فلم يشاءوا أن يعرضوها في سوق الرواية لئلا يتخذ المنافقون من شيوع الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذريعة للتزيد فيها, وسلما لتزييف الحديث عن رسول الله, ولئلا تزل بالمكثرين أقدامهم, فيسقطوا في هوة الخطأ, والنسيان ليكذبوا على رسول الله من حيث لا يشعرون.
ومن هنا احتاطوا في الرواية, وتقللوا منها ليس إقلالا لشأنها, وإنما