توضيحه، وليس الحال كذلك في التابعين فقد حدث أمور تقتضي الفحص عن أحوالهم, والبحث عن ميولهم، والتنقيب عن درجتهم جرحا وتعديلا، ذلك أنه بعد أن انكسر باب الفتنة بموت عمر, وأطلت الفتنة في آخر خلافة ذي النورين واستشرت، بل وغمت وطمت بعد مقتله ونشبت الحرب بين علي رضي الله عنه وخصومه وانقسمت الأمة بين مناصر موالي وبين مخاصم معادي، والتمس أنصار كل فريق سندا ومعتمدا, لم يعد الحديث في مأمن، ولم يكن الناس على ما كانوا عليه من الثقة والاطمئنان، اللهم إلا أولئك الذين لزموا الحق، وتجنبوا الهوى، وآثروا السلامة من الفتن، وانكبوا على العلم عامة، والحديث خاصة، يجمعونه ويحصلونه ويشهرونه وينشرونه.
وكان هؤلاء كثرة كاثرة, ومع ذلك لبدت السماء بغيوم الشك وسحائب الريب من جراء الدس والوضع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه, ومتابعته هواه بغير هدى من الله.
وتجردت أقلام لكشف تلك الغيوم، وانبعثت همم لدفع تلك الريب, ووجد النقاد العالمون العارفون بالحديث وعلله، المستبصرون المبصرون بما يذود عن حياض هذا الدين, ويرد عنه غلاء الغالين، ويصونه من تفريط المفرطين.
لسوف تعرض هذه الدراسة نماذج طيبة من هؤلاء الذين امتشقوا حسام الكلام, وسلوا ألسنتهم دفاعا عن الحق، ومجابهة للباطل، مما لا يبقى معه عذر لمشكك أو متشكك، وما كان الله ليخلف وعده بحفظ هذا الدين, ولا ليذر المؤمنين على ما هم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب.