للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠].

واعلم أن الثواب في المصائب على الصبر عليها، لا على المصيبة نفسها. فإنها (١) ليست من كسبه، وإنما يثاب على كسبه، والصبر من كسبه، والرضى بالقضاء فوق الصبر، فأنه يوجب رضى الله سبحأنه وتعالى. وإن أخبر بما يجده على وجه الشكوى لربه الذي ابتلاه لا لأحد من خلقه لم يكن ذلك مذموماً اتفاقاً، ولا منافياً للصبر. بل هو مطلوب شرعاً.

ومنه قول أيوب {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: ٨٣]، وقول يعقوب: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: ٨٦].

وقال ابن عيينة: أن الشكوى للخلق مع الرضى بقضاء الله تعالى لا بأس بها. واحتج لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه لجبريل عليه السلام: " أجدنىِ مغموماً، أجدنى مكروباً ".

ومنه قول موسى لفتاه: {لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: ٦٢]. فهذه الآية تدل على إباحة إظهار

مثل هذا القول عندما يلحق الإنسان من الأذى والتعب. ولا يكون مثل ذلك من الشكوى المذمومة إذا كان راضياً بقضاء الله تعالى. وهذا هو اللائق بحال موسى عليه السلام.

(و) يكره أيضاً (تمني الموت) نزل به ضر أو لم ينزل على الصحيح. ويحمل قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان: " لا يتمنى أحدكم الموت من ضُرٍ أصابَه. فإن كان لابُدَّ فأعلا فليقل: اللهم لِلَّهِ أَحْيني ما كانت الحياةُ خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي " (٢) : على الغالب من أحوال الناس. ويستثنى من ذلك حالتان لا يكره تمني الموت فيهما:


(١) في ج: لأنها.
(٢) أخرجه البخاري في " صحيحه " (٥٣٤٧) ٥: ٢١٤٦ كتاب المرضى، باب نهي تم المريض الموت.
وأخرجه مسلم في " صحيحه " (٢٦٨.) ٤: ٢. ٦٤ كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب تمنى كراهة الموت لضر نزل به.

<<  <  ج: ص:  >  >>