للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثانية: صيام العين والسمع وبقية الجوارح.]

صيام العين عن رؤية الحرام والأذن عن سماعه وبقية الجوارح عن مقارفة الحرام، مما يزيد في خشوع القلب ولذة عبادة الصيام لأن المعاصي لها أثرها على القلب، قال تعالى في بيان أن العبد مسؤول عن سمعه وبصره وفؤاده: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} الإسراء: ٣٦.

قال ابن الجوزي في تفسيره: "قال المفسرون: الإِشارة إِلى الجوارح المذكورة، يُسأل العبد يوم القيامة فيما إِذا استعملها، وفي هذا زجر عن النظر إِلى ما لا يَحِلُّ، والاستماع إِلى ما يحرم، والعزم على ما لا يجوز" (١).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ» (٢).

وقال النووي رحمه الله: "معنى الحديث: أن بن آدم قدر عليه نصيب من الزنى، فمنهم من يكون زناه حقيقياً بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازاً بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو يقبلها، أو بالمشي بالرجل إلى الزنا أو النظر أو اللمس أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك، أو بالفكر بالقلب فكل هذه انواع من الزنا المجازي والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه معناه أنه قد يحقق الزنا بالفرج وقد لا يحققه بأن لا يولج الفرج في الفرج وإن قارب ذلك، والله أعلم" (٣).


(١) زاد المسير في علم التفسير (٣/ ٢٥).
(٢) أخرجه مسلم (٤/ ٢٠٤٧) ح (٢٦٥٧).
(٣) شرح النووي على مسلم (١٦/ ٢٠٦).

<<  <   >  >>