للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ابن أبي طلحة، فلما أتاه قال: "أرني المفتاح". فأتاه به، فلما بسط يده إليه قام العباس فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، اجمعه لي مع السقاية. فكف عثمان يده (١) فقال رسول الله "أرني المفتاح يا عثمان". فبسط يده يعطيه، فقال العباس مثل كلمته الأولى، فكف عثمان يده. ثم قال رسول الله "يا عثمان، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فهاتني المفتاح". فقال: هاك بأمانة الله. قال: فقام رسول الله ففتح باب الكعبة، فوجد في الكعبة تمثال إبراهيم معه قداح يستقسم بها. فقال رسول الله : "ما للمشركين قاتلهم الله. وما شأن إبراهيم وشأن القداح". ثم دعا بجفنة فيها ماء فأخذ ماء فغمسه فيه، ثم غمس به تلك التماثيل، وأخرج مقام إبراهيم، وكان في الكعبة فألزقه في (٢) حائط الكعبة ثم قال: "يا أيها الناس، هذه القبلة". قال: ثم خرج رسول الله فطاف بالبيت شوطا أو شوطين ثم نزل عليه جبريل، فيما ذكر لنا برد المفتاح، فدعا رسول الله : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) حتى فرغ من الآية (٣).

وهذا من المشهورات أن هذه الآية نزلت في ذلك، وسواء كانت نزلت في ذلك أو لا (٤) فحكمها عام؛ ولهذا قال ابن عباس ومحمد بن الحنفية: هي للبر والفاجر، أي: هي أمر لكل أحد.

وقوله: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس؛ ولهذا قال محمد بن كعب وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب: إنما نزلت في الأمراء، يعني الحكام بين الناس.

وفي الحديث: "إن الله مع الحاكم ما لم يَجُرْ، فإذا جار وكله إلى نفسه" (٥) وفي الأثر: عدل يوم كعبادة أربعين سنة.

وقوله: (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) أي: يأمركم به من أداء الأمانات، والحكم بالعدل بين الناس، وغير ذلك من أوامره وشرائعه الكاملة العظيمة الشاملة.

وقوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) أي: سميعا لأقوالكم، بصيرا بأفعالكم، كما قال ابن أبي حاتم:

حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثني عبد الله بن لهيعة، عن يزيد (٦) بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر قال: رأيت رسول الله وهو يقرئ (٧) هذه الآية (سَمِيعًا بَصِيرًا) يقول: بكل شيء بصير (٨).

وقد قال ابن أبي حاتم: أخبرنا يحيى بن عبدك القزويني، أنبأنا المقرئ -يعني أبا عبد الرحمن-


(١) في أ: "اجمعه لي بين السقاية فكف عثمان بيده".
(٢) في أ: "إلى".
(٣) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٢/ ٥٧٠) وإسناده تالف.
(٤) في ر: "أم لا".
(٥) رواه الترمذي في سننه برقم (١٣٣٠) من حديث عبد الله بن أبي أوفي، وقال: "حديث حسن غريب".
(٦) في أ: "زيد".
(٧) في أ: "يقترئ".
(٨) ذكره السيوطي في الدر (٢/ ٥٧٣).