للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَمَن خَاف أسبابَ المَنيّة يَلْقَهَا … ولو رَامَ أسبابَ السماء بسُلَّم (١)

ثم قيل: "المشَيَّدَة" هي المَشِيدَة كما قال: ﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ [الحج: ٤٥] وقيل: بل بينهما فرق، وهو أن المُشَيَّدة بالتشديد، هي: المطولة، وبالتخفيف هي: المزينة بالشيد وهو الجص.

وقد ذكر ابن جرير، وابن أبي حاتم هاهنا حكاية مطولة عن مجاهد: أنه ذكر أن امرأة فيمن كان قبلنا أخذها الطَّلْقُ، فأمرت أجيرها أن يأتيها بنار، فخرج، فإذا هو برجل واقف على الباب، فقال: ما ولدت المرأة؟ فقال: جارية، فقال: أما إنها ستزني بمائة رجل، ثم يتزوجها أجيرها، ويكون موتها بالعنكبوت. قال: فَكَرَّ راجعا، فبعج الجارية بسكين في بطنها، فشقه، ثم ذهب هاربا، وظن أنها قد ماتت، فخاطت أمها بطنها، فبرئت وشبت وترعرعت، ونشأت أحسن امرأة ببلدتها (٢) فذهب ذاك [الأجير] (٣) ما ذهب، ودخل البحور فاقتنى أموالا جزيلة، ثم رجع إلى بلده وأراد التزويج، فقال لعجوز: أريد أن أتزوج بأحسن امرأة بهذه البلدة. فقالت له: ليس هنا أحسن من فلانة. فقال: اخطبيها علي. فذهبت إليها فأجابت، فدخل بها فأعجبته إعجابا شديدًا، فسألته عن أمره ومن أين مقدمه (٤)؟ فأخبرها خبره، وما كان من أمره في هربه. فقالت: أنا هي. وأرته مكان السكين، فتحقق ذلك فقال: لئن كنت إياها فلقد أخبرتني باثنتين لا بد منهما، إحداهما: أنك قد زنيت بمائة رجل. فقالت: لقد كان شيء من ذلك، ولكن لا أدري ما عددهم؟ فقال: هم مائة. والثانية: أنك تموتين بالعنكبوت. فاتخذ لها قصرا منيعا شاهقا، ليحرزها من ذلك، فبينا هم يوما إذا بالعنكبوت في السقف، فأراها إياها، فقالت: أهذه التي تحذرها علي، والله لا يقتلها إلا أنا، فأنزلوها من السقف فعمدت إليها فوطئتا بإبهام رجلها فقتلتها، فطار من سمها شيء (٥) فوقع بين ظفرها ولحمها، فاسودت رجلها وكان في ذلك أجلها (٦).

ونذكر هاهنا قصة صاحب الحَضْر، وهو "الساطرون" لما احتال عليه "سابور" حتى حصره فيه، وقتل من فيه بعد محاصرة سنتين، وقالت العرب في ذلك أشعارا منها:

وأخو الحَضْر إذ بناه وإذ دجـ … لة تُجْبَى إليه والخابورُ

شاده مَرْمَرا وجلله كلْ … سا فللطير في ذُرَاه وُكُور

لم تَهَبْهُ أيدي المنون فباد الـ … مُلْكُ عنه فبابُه مَهْجور

ولما دخل على عثمان جعل يقول: اللهم اجمع أمة محمد، ثم تمثل بقول الشاعر:

أرى الموتَ لا يُبقي عَزيزا ولم يَدَعْ … لعاد ملاذَّا في البلاد ومَرْبَعا

يُبَيَّتُ أهلُ الحِصْن والحصنُ مغلقٌ … ويأتي الجبالَ في شَماريخها معا (٧)

وقوله: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ) أي: خصب ورزق من ثمار وزروع وأولاد ونحو (٨) ذلك هذا معنى


(١) البيت من معلقة زهير بن أبي سلمى، وهو في ديوانه (ص ٣٠).
(٢) في ر، أ: "ببلدها".
(٣) زيادة من أ، والطبري.
(٤) في أ: "وعن مقدمه".
(٥) في ر: "وطار شيء من سمها".
(٦) تفسير الطبري (٨/ ٥٥٢).
(٧) في ر: "العلا".
(٨) في ر: "وغير".