للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حدثنا بَهْز، حدثنا شعبة، قال عدي بن ثابت: أخبرني عبد الله بن يزيد، عن زيد بن ثابت: أن رسول الله خرج إلى أُحُد، فرجع ناس خرجوا معه، فكان أصحاب رسول الله فيهم فرقتين: فرقة تقول: نقتلهم. وفرقة تقول: لا (١) فأنزل الله: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ) فقال رسول الله : "إنها طَيْبة، وإنها تنفي الخَبَث كما تنفي النار خبث الفضة".

أخرجاه في الصحيحين، من حديث شعبة (٢).

وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يَسار في وقعة أحد أن عبد الله بن أبي بن سلول رجع يومئذ بثلث الجيش، رجع بثلاثمائة وبقي النبي في سبعمائة.

وقال العوفي، عن ابن عباس: نزلت في قوم كانوا بمكة، قد تكلموا بالإسلام، كانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكة يطلبون (٣) حاجة لهم، فقالوا: إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا منهم بأس، وأن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة، قالت فئة من المؤمنين: اركبوا إلى الجبناء فاقتلوهم، فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم. وقالت فئة أخرى من المؤمنين: سبحان الله! أو كما قالوا: أتقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به؟ أمِنْ أجل أنهم لم يهاجروا ولم يتركوا ديارهم تستحل دماؤهم وأموالهم. فكانوا كذلك فئتين، والرسول عندهم لا ينهى واحدا من الفريقين (٤) عن شيء فأنزل الله: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ)

رواه ابن أبي حاتم، وقد رُوي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم قريب من هذا.

وقال زيد بن أسلم، عن ابنٍ لسعد بن معاذ: إنها نزلت في تقاول الأوس والخزرج في شأن عبد الله بن أبيّ، حين استعذر منه رسول الله على المنبر في قضية الإفك.

وهذا غريب، وقيل غير ذلك.

وقوله: (وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا) أي: ردهم وأوقعهم في الخطأ.

قال ابن عباس: (أَرْكَسَهُمْ) أي: أوقعهم. وقال قتادة: أهلكهم. وقال السدي: أضلهم.

وقوله: (بِمَا كَسَبُوا) أي: بسبب عصيانهم ومخالفتهم الرسول واتباعهم الباطل.

(أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا) أي: لا طريق له إلى الهدى ولا مخلص له إليه.

ثم قال: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) أي: هم يودون لكم الضلالة لتستووا أنتم وإياهم فيها، وما ذاك إلا لشدة عداوتهم وبغضهم لكم؛ ولهذا قال: (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي: تركوا الهجرة، قاله العوفي عن ابن عباس. وقال السدي: أظهروا كفرهم (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا) أي: لا توالوهم


(١) في د: "غير ذلك".
(٢) المسند (٥/ ١٨٤) وصحيح البخاري برقم (١٨٨٤، ٤٠٥٠) وصحيح مسلم برقم (١٣٨٤).
(٣) في د: "يريدون".
(٤) في ر: "منهم".