للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا تستنصروا بهم على الأعداء ما داموا كذلك.

ثم استثنى الله، سبحانه من هؤلاء فقال: (إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) أي: إلا الذين لجؤوا وتحيزوا إلى قوم بينكم وبينهم مهادنة أو عقد ذمة، فاجعلوا حكمهم (١) كحكمهم. وهذا قول السدي، وابن زيد، وابن جرير.

وقد روى ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو سلمة حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جُدْعان، عن الحسن: أن سراقة بن مالك المدلجي حدثهم قال: لما ظهر -يعني النبي -على أهل بدر وأُحُد، وأسلم من حولهم قال سراقة: بلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي -بني مُدْلج -فأتيته (٢) فقلت: أَنْشُدُك النعمة. فقالوا: صه (٣) فقال النبي : "دعوه، ما تريد؟ ". قال: بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي، وأنا أريد أن توادعهم، فإن أسلم قومك أسلموا ودخلوا في الإسلام، وإن لم يسلموا لم تَخْشُن (٤) قلوب قومك عليهم. فأخذ رسول الله بيد خالد بن الوليد فقال: "اذهب معه فافعل ما يريد". فصالحهم خالد على ألا يعينوا على رسول الله وإن أسلمت قريش أسلموا معهم، [ومن وصل إليهم من الناس كانوا على مثل عهدهم] (٥) فأنزل الله: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ)

ورواه ابن مردويه من طريق حماد بن سلمة، وقال (٦) فأنزل الله: (إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) فكان من وصل إليهم كانوا معهم على عهدهم (٧) وهذا أنسب لسياق الكلام.

وفي صحيح البخاري في قصة صلح الحديبية فكان من أحب أن يدخل في صلح قريش وعهدهم، ومن أحب أن يدخل في صلح محمد وأصحابه وعهدهم.

وقد روي عن ابن عباس أنه قال: نسخها قوله: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ] (٨)[التوبة: ٥].

وقوله: (أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ]) (٩) الآية، هؤلاء قوم آخرون من المُسْتَثنَين عن الأمر بقتالهم، وهم الذين يجيئون إلى المصاف وهم حَصِرَةٌ صدورهم أي: ضيقة صدورهم مُبْغضين (١٠) أن يقاتلوكم، ولا يهون عليهم أيضا أن يقاتلوا قومهم معكم، بل هم لا لكم ولا عليكم. (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ) أي: من لطفه بكم أن كفهم عنكم (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) أي: المسالمة (فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا) أي: فليس لكم أن تقتلوهم، ما دامت حالهم (١١) كذلك، وهؤلاء كالجماعة الذين خرجوا يوم بدر من بني هاشم مع المشركين، فحضروا القتال وهم كارهون، كالعباس ونحوه، ولهذا نهى النبي يومئذ عن قتل العباس وعبّر (١٢) بأسره.


(١) في أ: "حكمكم".
(٢) في د: فأتيت".
(٣) في أ: "مه".
(٤) في د: "لم تحزن" وفي ر: "لم يحسن".
(٥) زيادة من أ.
(٦) في د: "وفيه".
(٧) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (١٤/ ٢٣٢) حدثنا أسود بن عامر عن حماد بن سلمة به.
(٨) زيادة من د
(٩) زيادة من د، ر، أ.
(١٠) في د: "منقبضين"
(١١) في أ: "حالتهم".
(١٢) في د، أ: "وأمر".