للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) أي: إذا كان القتيل مؤمنا، ولكن أولياؤه من الكفار أهل حرب، فلا دية لهم، وعلى القاتل (١) تحرير رقبة مؤمنة لا غير.

وقوله: (وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ]) (٢) الآية، أي: فإن كان القتيل أولياؤه أهل ذمة أو هدنة، فلهم دية قتيلهم، فإن كان مؤمنا فدية كاملة، وكذا إن كان كافرا أيضا عند طائفة من العلماء. وقيل: يجب في الكافر نصف دية المسلم، وقيل: ثلثها، كما هو مفصل في [كتاب الأحكام] (٣) ويجب أيضا على القاتل تحرير رقبة مؤمنة.

(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) أي: لا إفطار بينهما، بل يسرد (٤) صومهما إلى آخرهما، فإن أفطر من غير عذر، من مرض أو حيض أو نفاس، استأنف. واختلفوا في السفر: هل يقطع أم لا؟ على قولين.

وقوله: (تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) أي: هذه توبة القاتل خطأ إذا لم يجد العتق صام شهرين متتابعين.

واختلفوا فيمن لا يستطيع الصيام: هل يجب عليه إطعام ستين مسكينا، كما في كفارة الظهار؟ على قولين؛ أحدهما: نعم. كما هو منصوص عليه في كفارة الظهار، وإنما لم يذكر هاهنا؛ لأن هذا مقام تهديد وتخويف وتحذير، فلا يناسب أن يذكر فيه الإطعام لما فيه من التسهيل والترخيص. القول الثاني: لا يعدل إلى الإطعام؛ لأنه لو كان واجبا لما أخر بيانه عن وقت الحاجة.

(وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) قد تقدم تفسيره غير مرة.

ثم لما بين تعالى حكم القتل الخطأ، شرع في بيان حكم القتل العمد، فقال: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا [فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا]) (٥) وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم، الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله، حيث يقول، سبحانه، في سورة الفرقان: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ [وَلا يَزْنُونَ] (٦)﴾ الآية [الفرقان: ٦٨] وقال تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [إلى أن قال:

﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ]﴾ (٧) [الأنعام: ١٥١].

والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جدا. من ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء" (٨) وفي الحديث الآخر الذي رواه أبو داود، من رواية عمرو بن الوليد بن عبدة المصري، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله : "لا يزال المؤمن مُعنقا (٩) صالحا ما لم يصب دما حراما، فإذا أصاب دما حراما بَلَّح" (١٠) وفي


(١) في ر، أ: "قاتله".
(٢) زيادة من ر، أ.
(٣) زيادة من ر، أ.
(٤) في أ: "يرد".
(٥) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
(٦) زيادة من ر، أ.
(٧) زيادة من ر، أ، وفي هـ: الآية.
(٨) صحيح البخاري برقم (٦٨٦٤) وصحيح مسلم برقم (١٦٧٨).
(٩) في ر: "مستعفا".
(١٠) سنن أبي داود برقم (٤٢٧٠).