للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أن المُزْني، وأبا يوسف القاضي، وإبراهيم بن إسماعيل ابن عُلَيَّة ذهبوا إلى أن صلاة الخوف منسوخة بتأخيره، ، الصلاة يوم الخندق. وهذا غريب جدًّا، وقد ثبتت الأحاديث بعد الخندق بصلاة الخوف، وحمل تأخير الصلاة يومئذ على ما قاله مكحول والأوزاعي أقوى وأقرب، والله أعلم.

فقوله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) أي: إذا صليت بهم إماما في صلاة الخوف، وهذه حالة غير الأولى، فإن تلك قصرها إلى ركعة، كما دل عليه الحديث، فرادى ورجالا وركبانا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، ثم ذكر حال الاجتماع والائتمام بإمام واحد. وما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة، حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة، فلولا أنها واجبة لما ساغ ذلك، وأما من استدل بهذه الآية على أن صلاة الخوف منسوخة بعد النبي لقوله: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ) فبعده تفوت هذه الصفة، فإنه استدلال ضعيف، ويُرَدُّ عليه مثل قول مانعي الزكاة، الذين احتجوا بقوله: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] قالوا: فنحن لا ندفع زكاتنا بعده إلى أحد، بل نخرجها نحن بأيدينا (١) على من نراه، ولا ندفعها إلى من صلاته، أي: دعاؤه، سكن لنا، ومع هذا ردَّ عليهم الصحابة وأبَوْا عليهم هذا الاستدلال، وأجبروهم على أداء الزكاة، وقاتلوا من منعها منهم.

ولنذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة أولا قبل ذكر صفتها:

قال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا إسحاق، حدثنا عبد الله بن هاشم، أنبأنا سيف (٢) عن أبي رَوْق، عن أبي أيوب، عن علي، ، قال: سأل قوم من بني النجار رسول الله فقالوا: يا رسول الله، إنا نضرب في الأرض، فكيف نصلي؟ فأنزل الله ﷿: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾ ثم انقطع الوحي، فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي فصلى الظّهر، فقال المشركون: لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم، هلا شددتم عليهم؟ فقال قائل منهم: إن لهم أخرى مثلها في إثرها. قال: فأنزل الله ﷿ بين الصلاتين: ﴿إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا﴾. (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) إلى قوله: (أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا)] (٣) فنزلت صلاة الخوف.

وهذا سياق غريب جدا (٤) ولكن لبعضه شاهد من رواية أبي عياش الزُّرَقي، واسمه زيد بن الصامت، ، قال الإمام أحمد:

حدثنا عبد الرزاق، حدثنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي عياش قال: كنا مع رسول الله بعُسْفان، فاستقبلنا المشركون، عليهم خالد بن الوليد، وهم بيننا وبين القبلة، فصلى بنا النبي الظهر، فقالوا: لقد (٥) كانوا على حال لو أصبنا غُرَّتَهم. ثم قالوا: تأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم. قال: فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) قال: فحضرت، فأمرهم النبي فأخذوا السلاح، [قال] (٦) فصفنا (٧) خلفه


(١) في ر: "من أيدينا".
(٢) في أ: "سفيان".
(٣) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآيتين".
(٤) تفسير الطبري (٩/ ١٢٦).
(٥) في أ: "قد".
(٦) زيادة من أ.
(٧) في أ: "فصففنا".