للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتفرحُ المرأةُ أَنْ يَكُونَ لَهَا الْحَقُّ عَلَى أَبِيهَا أَوْ أَخِيهَا أَوْ زَوْجِهَا. ثُمَّ قَرَأَ: {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ:١٠١] فَيَغْفِرُ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ مَا يَشَاءُ، وَلَا يَغْفِرُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ شَيْئًا، فينصَب لِلنَّاسِ فينادَي: هَذَا فلانُ بْنُ فلانٍ، مَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فليأتِ إِلَى حَقِّهِ. فَيَقُولُ: رَبّ، فَنِيَت الدُّنْيَا، مِنْ أَيْنَ أُوتِيِهْم حقوقَهم؟ قَالَ: خُذُوا مِنْ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ، فَأَعْطُوا كلَ ذِي حَقِّ حَقَّهُ بِقَدْرِ طَلَبَتِهِ فَإِنْ كَانَ وَلِيًّا لِلَّهِ ففَضَلَ لَهُ مثقالُ ذَرَّةٍ، ضَاعَفَهَا اللَّهُ لَهُ حَتَّى يدخلَه بِهَا الْجَنَّةَ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} قَالَ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ؛ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا شَقِيًّا قَالَ الْمَلَكُ: ربِّ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، وَبَقِيَ طَالِبُونَ كَثِيرٌ؟ فَيَقُولُ: خُذُوا مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَأَضِيفُوهَا إِلَى سَيِّئَاتِهِ، ثُمَّ صُكُّوا لَهُ صَكًّا إِلَى النَّارِ.

وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ زَاذَانَ -بِهِ نَحْوَهُ. وَلِبَعْضِ هَذَا الْأَثَرِ شَاهَدٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثتا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا فُضَيلٌ -يَعْنِي ابْنَ مَرْزُوقٍ-عَنْ عطيَّة العَوْفي، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَعْرَابِ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الْأَنْعَامِ: ١٦٠] قَالَ رَجُلٌ: فَمَا لِلْمُهَاجِرِينَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: مَا هُوَ أفضلُ مِنْ ذَلِكَ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} .

وَحَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} فَأَمَّا الْمُشْرِكُ فَيُخَفَّفُ عَنْهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُخْرَجُ مِنَ النَّارِ أَبَدًا. وَقَدِ اسْتُدِلَّ لَهُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ أَبَا طَالِبٍ (١) كَانَ يَحُوطُكَ وَيَنْصُرُكَ فَهَلْ نَفَعْتَهُ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ هُوَ فِي ضَحْضَاح مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أنا لكان في الدَّرْك الأسفل مِنَ النَّارِ" (٢) .

وَقَدْ يَكُونُ هَذَا خَاصًّا بِأَبِي طَالِبٍ مِنْ دُونِ الْكَفَّارِ، بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيالسِي فِي سُنَنِهِ (٣) حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ الْمُؤْمِنَ حَسَنَةً، يُثَابُ عَلَيْهَا الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا ويُجْزَى بِهَا (٤) فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ" (٥) .

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وعِكْرِمَةُ، وسعيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، والحسنُ وقتادةُ والضحاكُ، فِي قَوْلِهِ: {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} يَعْنِي: الْجَنَّةَ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ -يَعْنِي ابْنَ الْمُغَيْرَةِ-عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ بِالْحَسَنَةِ الْوَاحِدَةِ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ. قَالَ: فقُضي أَنِّي انْطَلَقْتُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، فَلَقِيتُهُ فقلت: بلغني عنك


(١) في أ: "إن عمك أبا طالب".
(٢) رواه البخاري في صحيحه برقم (٣٨٨٣، ٦٢٠٨) ومسلم في صحيحه برقم (٢٠٩) .
(٣) في د، ر، أ: "مسنده".
(٤) في ر: "فيها".
(٥) مسند الطيالسي برقم (٤٧) "منحة المعبود" ورواه مسلم برقم (٢٨٠٨) من طريق يزيد بن هارون عن همام بن يحيى عن قتادة بنحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>