للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا) أي: في صلاتهم لا يخشعُون [فيها] (١) ولا يدرون (٢) ما يقولون، بل هم في صلاتهم ساهون لاهون، وعما يراد بهم من الخير معرضون.

وقد روى الإمام مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : "تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق: يجلس يَرْقُب الشمس، حتى إذا كانت بين قَرْنَي الشيطان، قام فَنَقَر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا".

وكذا رواه مسلم، والترمذي، والنسائي، من حديث إسماعيل بن جعفر المدني، عن العلاء بن عبد الرحمن، به. وقال الترمذي: حسن صحيح (٣).

وقوله: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ) يعني: المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر، فلا هم مع المؤمنين ظاهرًا وباطنًا، ولا مع الكافرين ظاهرًا وباطنًا، بل ظواهرهم مع المؤمنين، وبواطنهم مع الكافرين. ومنهم من يعتريه الشك، فتارة يميل إلى هؤلاء، وتارة يميل إلى أولئك ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾ الآية [البقرة: ٢٠].

قال مجاهد: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ) يعني: أصحاب محمد (وَلا إِلَى هَؤُلاءِ) يعني: اليهود.

وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي قال: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تَعِيرُ إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة، ولا تدري أيتهما تتبع".

تفرد به مسلم. وقد رواه عن محمد بن المثنى مرة أخرى، عن عبد الوهاب، فوقف به على ابن عمر، ولم يرفعه، قال: حدثنا به عبد الوهاب مرتين كذلك (٤).

قلت: وقد رواه الإمام أحمد، عن إسحاق بن يوسف بن عبيد الله، به مرفوعًا. وكذا رواه إسماعيل بن عياش وعلي بن عاصم، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا. وكذا رواه عثمان بن محمد بن أبي شيبة، عن عبدة، عن عبد الله، به مرفوعا. ورواه حماد بن سلمة، عن عبيد الله -أو عبد الله بن عمر-عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا. ورواه أيضًا صخر بن جُوَيْرِية، عن نافع عن ابن عمر، عن النبي ، بمثله (٥).

وقال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا الهُذَيل بن بلال، عن ابن عبيد، عن أبيه: أنه جلس ذات يوم بمكة وعبد الله بن عمر معه، فقال أبي: قال رسول الله : "إن مثل المنافق يوم القيامة كالشاة بين الرّبضَين من الغنم، إن أتت هؤلاء نطحتها، وإن أتت هؤلاء نطحتها" فقال له ابن عمر: كذبت. فأثنى القوم على أبي خيرا -أو معروفا-فقال ابن عمر: لا أظن صاحبكم إلا كما


(١) زيادة من د.
(٢) في د، ر، أ: "ولا يتدبرون".
(٣) الموطأ (١/ ٢٢٠) وصحيح مسلم برقم (٦٢٢) وسنن أبي داود برقم (٤١٢) وسنن الترمذي برقم (١٦٠) وسنن النسائي (١/ ٢٥٤).
(٤) تفسير الطبري (٩/ ٣٣٣) وصحيح مسلم برقم (٢٧٨٤).
(٥) المسند (٢/ ٤٧).