للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم قال تعالى: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) أي: الثابتون في الدين لهم قدم راسخة في العلم النافع. وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة آل عمران.

(وَالْمُؤْمِنُونَ) عطف على الراسخين، وخبره (يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ)

قال ابن عباس: أنزلت في عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سعية. وأسد وزيد بن سعية وأسد بن عبيد، الذين دخلوا في الإسلام، وصدقوا بما أرسل الله به محمدًا .

وقوله: (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) هكذا هو في جميع المصاحف الأئمة، وكذا هو في مصحف أُبَيّ بن كعب. وذكر ابن جرير أنها في مصحف ابن مسعود: "والمقيمون الصلاة"، قال: والصحيح قراءة الجميع. ثم رَدّ على من زعم أن ذلك من غلط الكُتَّاب (١) ثم ذكر اختلاف الناس فقال بعضهم: هو منصوب على المدح، كما جاء في قوله: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ [البقرة: ١٧٧]، قالوا: وهذا سائغ في كلام العرب، كما قال الشاعر (٢):

لا يَبْعَدَن قومي الذين همُو … سُمّ (٣) العداة وآفة الجُزرِ

النازلين بكل مُعَْتركٍ … والطَّيّبُونَ مَعَاقِدَ الأزْرِ

وقال آخرون: هو مخفوض عطفا على قوله: (بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ) يعني: وبالمقيمين الصلاة.

وكأنه يقول: وبإقامة الصلاة، أي: يعترفون بوجوبها وكتابتها عليهم، أو أن المراد بالمقيمين الصلاة الملائكة، وهذا اختيار ابن جرير، يعني: يؤمنون بما أنزل إليك، وما أنزل من قبلك، وبالملائكة. وفي هذا نظر والله أعلم.

وقوله: (وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) يحتمل أن يكون المراد زكاة الأموال، ويحتمل زكاة النفوس، ويحتمل الأمرين، والله أعلم.

وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) أي: يصدقون بأنه لا إله إلا الله، ويؤمنون بالبعث بعد الموت، والجزاء على الأعمال خيرها وشرها.

وقوله: (أُولَئِكَ) هو الخبر عما تقدم (سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا) يعني: الجنة.


(١) في د، ر، أ: "الكاتب".
(٢) وهي الخرنق بنت بدر بن هفان، والبيت في ديوانها: (٢٩) أ. هـ مستفاد من مطبوعة الشعب.
(٣) في ر: "أزد" وفي أ: "أسد".