للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: الجميع ملكه وخلقه، وجميع ما فيها عبيده، وهم تحت تدبيره وتصريفه، وهو وكيل على كل شيء، فكيف يكون له منهم صاحبة أو ولد؟ كما قال في الآية الأخرى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٠١]، (١) وقال تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * [تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا] (٢)[مريم: ٨٨ - ٩٥]

﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (١٧٢) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (١٧٣)

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام، عن ابن جُرَيج، عن عطاء، عن ابن عباس قوله: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ) لن يستكبر.

وقال قتادة: لن يحتشم (الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) وقد استدل بعض من ذهب إلى تفضيل الملائكة على البشر بهذه الآية حيث قال: (وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) وليس له في ذلك دلالة؛ لأنه إنما عطف الملائكة على المسيح؛ لأن الاستنكاف هو الامتناع، والملائكة أقدر على ذلك من المسيح؛ فلهذا قال: (وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) ولا يلزم من كونهم أقوى وأقدر على الامتناع أن يكونوا أفضل.

وقيل: إنما ذكروا؛ لأنهم اتّخذُوا آلهة مع الله، كما اتخذ المسيح، فأخبر تعالى أنهم عبيد من عبيده وخَلْق من خلقه، كما قال الله تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * [لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ] (٣)﴾ الأنبياء: [٢٦ - ٢٩].

ثم (٤) قال: (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا) أي: فيجمعهم إليه يوم القيامة، ويفصل بينهم بحكمه العدل، الذي لا يجور فيه ولا يَحِيف؛ ولهذا قال: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) يعني: فيعطيهم من الثواب على قدر أعمالهم الصالحة ويزيدهم على ذلك من فضله وإحسانه وسَعَة رحمته وامتنانه.

وقد روى ابن مَرْدُوَيه من طريق بَقِيَّة، عن إسماعيل بن عبد الله الكندي، عن الأعمش، عن سفيان (٥) عن عبد الله قال: قال رسول الله (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) قال:


(١) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
(٢) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "إلى قوله: "فردا".
(٣) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآيات".
(٤) في أ: "ولهذا".
(٥) في أ: "شقيق".