للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عوتب في القرآن إلا عليًا" إنما يشير به إلى الآية الآمرة بالصدقة بين يدي النجوي، فإنه قد ذَكَر غير واحد أنه لم يعمل بها أحد إلا عليٌّ، ونزل قوله: ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ﴾ (١) الآية [سورة المجادلة: ١٣] وفي كون هذا عتابًا نظر؛ فإنه قد قيل: إن الأمر كان ندبا لا إيجابا، ثم قد نسخ ذلك عنهم قبل الفعل، فلم ير (٢) من أحد منهم خلافه. وقوله عن علي: "إنه لم يعاتب في شيء من القرآن" فيه نظر أيضًا؛ فإن الآية التي في الأنفال التي فيها المعاتبة على أخذ الفِداء عَمَّت جميع من أشار بأخذه، ولم يسلم منها إلا عُمر بن الخطاب، ، فعلم بهذا، وبما تقدم ضَعفُ هذا الأثر، والله أعلم.

وقال (٣) ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا اللَّيْث، حدثني يونس قال: قال محمد بن مسلم: قرأت كتاب رسول الله الذي كُتب لعمرو بن حَزْم حين بعثه إلى نَجْران، وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم، فيه: هذا بيان من الله ورسوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فكتب الآيات منها حتى بلغ: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ (٤).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد، حدثنا يونس بن بُكَيْر، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه قال: هذا كتابُ رسول الله عندنا، الذي كتبه لعمرو بن حَزْم، حين بعثه إلى اليمن يُفَقه أهلها ويعلمهم السنة، ويأخذ صدقاتهم. فكتب (٥) له كتابا وعهدا، وأمره فيه بأمره، فكتب: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله ورسوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) عَهْدٌ من محمد رسول الله لعمرو بن حزم، حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى الله في أمره كله، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون" (٦).

قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: يعني بالعقود: العهود. وحكى ابن جرير الإجماع على ذلك (٧) قال: والعهود ما كانوا يتعاهدون (٨) عليه من الحلف وغيره. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) يعني بالعهود: يعني ما أحل الله وما حرم، وما فرض وما حَد في القرآن كله، فلا (٩) تغدروا ولا تنكثوا، ثم شدد في ذلك فقال: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ إلى قوله: ﴿سُوءُ الدَّارِ﴾ [الرعد: ٢٥].

وقال الضحاك: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قال: ما أحل الله وما حرم (١٠) وما أخذ الله من الميثاق على من أقر بالإيمان بالنبي [] (١١) والكتاب أن يوفوا بما أخذ الله عليهم من الفرائض من الحلال والحرام.


(١) في ر، أ: "صدقة".
(٢) في أ: "فلم يصدر".
(٣) بداية تفسير الآيات من المخطوطة د.
(٤) تفسير الطبري (٩/ ٤٥٤).
(٥) في د: "كتب".
(٦) ورواه البيهقي في دلائل النبوة (٥/ ٤١٣) من طريق أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير به.
(٧) في د: "عليه".
(٨) في د، أ: "والعقود ما كانوا يتعاقدون".
(٩) في د، ر، أ: "ولا".
(١٠) في د: "ما أحل الله وحرم"، وفي ر: "ما أحل وحرم".
(١١) زيادة من أ.