للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال زيد بن أسلم: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قال: هي ستة: (١) عهد الله، وعقد الحلف، وعقد الشركة، وعقد البيع، وعقد النكاح، وعقد اليمين.

وقال محمد بن كعب: هي خمسة منها: حلف الجاهلية، وشركة المفاوضة.

وقد استدل بعض من ذهب إلى أنه لا خيار في مجلس البيع بهذه الآية: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قال: فهذا يدل على لزوم العقد وثبوته، فيقتضي نفي خيار المجلس، وهذا مذهب أبي حنيفة، ومالك. وخالفهما الشافعي وأحمد بن حنبل والجمهور، والحجة في ذلك ما ثبت في الصحيحين، عن ابن عمر قال: قال رسول الله : "البَيِّعان بالخيار ما لم يَتَفرَّقا" (٢) وفي لفْظ للبخاري: "إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا" (٣) وهذا صريح في إثبات خيار المجلس المتعقب لعقد البيع، وليس هذا منافيًا للزوم العقد، بل هو من مقتضياته شرعا، فالتزامه من تمام الوفاء بالعقد.

وقوله تعالى: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ) هي: الإبل والبقر، والغنم. قاله الحسن وقتادة وغير واحد. قال ابن جرير: وكذلك هو عند العرب. وقد استدل ابن عمر، وابن عباس، وغير واحد بهذه الآية على إباحة الجنين إذا وجد ميتا في بطن أمه إذا ذبحت، وقد ورد في ذلك حديث في السنن، رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، من طريق مُجالد، عن أبي الودَّاك جبر بن نَوْف، عن أبي سعيد، قال: قلنا: يا رسول الله، ننحر الناقة، ونذبح البقرة أو الشاة في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله؟ فقال: "كلوه إن شئتم؛ فإن ذكاته ذكاة أمه". وقال الترمذي: حديث حسن (٤).

[و] (٥) قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عَتَّاب بن بشير، حدثنا عبيد الله بن أبي زياد القداح المكي، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله قال: " ذكاة الجنين ذكاة أمه". تفرد به أبو داود (٦).

وقوله: (إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يعني بذلك: الميتة، والدم، ولحم الخنزير.

وقال قتادة: يعني بذلك الميتة، وما لم يذكر اسم الله عليه.

والظاهر -والله أعلم-أن المراد بذلك قوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾ فإن هذه وإن كانت من الأنعام إلا أنها تحرم بهذه العوارض؛ ولهذا قال: ﴿إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ يعني: منها. فإنه حرام لا يمكن استدراكه، وتلاحقُه؛ ولهذا قال تعالى: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) أي: إلا ما سيتلى (٧) عليكم من تحريم بعضها في بعض الأحوال.


(١) في ر، أ: "سنة".
(٢) صحيح البخاري برقم (٢١٠٩) وصحيح مسلم برقم (١٥٣١).
(٣) اللفظ في صحيح البخاري برقم (٢١١٢) وصحيح مسلم برقم (١٥٣١).
(٤) سنن أبي داود برقم (٢٨٢٧) وسنن الترمذي برقم (١٤٧٦) وسنن ابن ماجة برقم (٣١٩٩).
(٥) زيادة من ر.
(٦) سنن أبي داود برقم (٢٨٢٨).
(٧) في د: "يتلى".